الجمعة، 13 يناير 2012

حامد المالكي: حلم ضوئي سرقه الديكتاتور ولم يرجعه البرابرة





(مروان بو حيدر)
مريم عبد الله
نشر في جريدة الاخبار البيروتية
في طفولته، كان حامد المالكي يقف أمام منزله، ينظر إلى نعوش الجنود الداخلة إلى مدينة الثورة، ويحصي في الساعة الواحدة ستين نعشاً. سيدرك الطفل الصغير أنّ شاباً عراقياً يموت كلّ دقيقة، في حروب عبثية، افتعلها مزاج الديكتاتور. طبع هذا المشهد التجربة الفنيّة للسيناريست العراقي، لتغدو مسلسلاته تنويعات مريرة على تفاصيل الخراب في أرض الرافدين. ولد المالكي في بغداد عام 1969، في منطقة الطوبجي (غرب بغداد)، ويعني اسمها المدفع... كأنّ المدينة أطلقته إلى الحياة كقذيفة لم تبلغ هدفها إلى الآن. كان يعتقد أن المدرسة هي أكبر شيء في الكون. لهذا، كلّما أراد مصارحة امرأة بحبّه، قال لها: «أحبّك بحجم المدرسة».


والده كان عسكرياً مع الملك فيصل الثاني، وأمه ربة منزل، جاءا من جنوب حزين (البصرة) إلى بغداد عام 1947. في باحة المدرسة الابتدائيّة، كان يسير وحيداً. وضعوه في صفّ خاص، كانوا يضعون فيه عادةً قليلي الإدراك، أو فائقي الإدراك. «لم أعرف حتى هذه اللحظة من أي صنف كنت أنا»، يقول. بصوت متعب، يتذكّر معنا الأسود الذي كان يباع بكثرة في مدينته. اعتادت والدته الحزن، وكغيرها من الأمهات العراقيات، كانت تغيّر ثياب الحزن في العيد، بأسود جديد. «عشنا في مدينة حرب، وقهر، وطغيان. كان الأولاد يذهبون إلى الحرب ولا يعودون، أو يذهبون إلى المعتقلات ولا يعودون، وسعيد الحظّ بينهم كان يذهب إلى المنافي ولا يعود». الحرب مقيمة في رأسه على الدوام. كغيره من الشباب العراقيين، كان المالكي يؤجّل تخرّجه من المدرسة والجامعة، كي لا يذهب إلى الحرب.
في طفولته، كان يشغّل مع أخيه علي «سينما الفقراء» على ستائر المنزل. كانت أدواتهما بسيطة: صندوق كرتونيّ مثقوب، ومصباح، وعدسة مكبّرة، وبقايا أفلام كان يعثر عليها في حاويات نفايات دور العرض. «حلم ضوئي عشته وأنا طفل، وبفضله قررت أن أكون سينمائياً». هكذا درس السينما في «جامعة بغداد»، لكنّ تدهور حالة الصناعة السينمائية في العراق، أجبره على التوجّه إلى التلفزيون. في الجامعة، «كنّا مخصيّين سياسياً»، يقول. «نصف الطلاب كانوا جواسيس للنظام، وأعضاء اتحاد الطلبة كانوا عناصر في الاستخبارات، يرتدون زيّ طلاب». في جمهورية الخوف حاول حامد التعويض عن فقدان السياسة، بالثقافة، رغم أنّها كانت تقاس بمسطرة السلطة. يتذكّر صاحب «فوبيا بغداد» قصة تهريب رواية «السيد الرئيس» لميغل أنخل أستورياس. «كان الكتاب عن رئيس يشبه رئيسنا، وبعدما هرّبت الرواية وانتشرت، طبعتها الدولة، لكن مع حذف بعض العبارات».
خلال الخدمة العسكرية الإلزاميّة (1993)، عاش تجربة الحصار، وأدرك معنى أن يُهان الإنسان، وشهد مهزلة لجان التفتيش على أسلحة الدمار الشامل. في تلك الأثناء، عمل بدوام ليلي في صحيفة «الجمهورية»، مصوراً فوتوغرافياً، قبل أن يكتب باكورته، تمثيلية «عريسان في محنة» (1996) التي عرضت في عدّة دول خليجيّة، وكانت إيذاناً ببداية مسيرة غنيّة في الكتابة الدرامية.
بدأ مسيرة الغربة عام 1997، هرباً من حصار اقتصادي خانق، ونظام سياسي ظالم. غادر إلى الأردن، إذ رفض اللجوء الإنساني إلى الأمم المتحدة، كما فعل باقي أصدقائه. «تردّدت، هم ذهبوا إلى المنافي البعيدة، إلى كندا الباردة، وأوستراليا الحارة، ولندن الكئيبة، وأميركا المخيفة، وأوروبا الجامدة، فيما عدت أنا إلى العراق، وبقيت أراوغ الموت والاعتقال والسلطة». في بغداد وخلف الأبواب المغلقة، كتب المالكي مُسلسلي «سارة خاتون» و«الرصافي»، ليعود ويهرب من جديد إلى الأردن ثم سوريا التي دخلها مكتشفاً عام 2001. عاد بعدها إلى العراق (2002)، متوقّعاً الحرب ومنتظراً سقوط النظام الذي سقط فعلاً في العام الموالي. «قررت يومها تمزيق جواز سفري، لكنّني وجدت نفسي أهرب مع عائلتي، بعدما كنت أهرب وحيداً». خرج حامد إلى الحسكة السوريّة. «بعد تفجير الإمامين في سامراء، أدركت أن العراق انتهى». في دمشق، وجد وطناً بديلاً، قبل أن يعود إلى بغداد بعدما هدأ هدير آلة القتل، ليجدد عهده مع فكرة الاستقرار هناك.
في رأيه، بدأ الربيع العربي من العراق عام 1991، حين ثارت أغلب المحافظات من دون أن يلتفت إليها الإعلام، ويساعدها الموبايل والنيو ميديا. يتفاءل المالكي بجيل الإنترنت الذي ينام في ساحات التغيير، ويحلِّل الأمور على نحو إنساني وعالمي، «رغم أنّ الأحزاب الإسلاميّة المتشددة هي المستفيدة من التغيير».
أوّل عمل أنجزه بعد الاحتلال الأميركي لبلاده حمل عنوان «فوبيا بغداد» (2007)، وطرح من خلاله موضوع قتل العلماء، في حوارات بين الأموات والأحياء. وأثناء إقامته في الحسكة، كتب مسلسل «رسائل من رجل ميت»، العمل الذي مثّل فيه غسان مسعود وشذى حسون. وتناول المسلسل موضوع العمالة المصرية في عراق السبعينيات، وعرّج على قضيّة «الجبهة الوطنية» التي جمعت تحت مظلتها الأحزاب العراقية، ومنها حزب «البعث»، وكان من ضحاياها «الحزب الشيوعي»، وصولاً إلى قصص التعذيب في معتقل أبو غريب (2006).
السينمائي الذي اتجه إلى الدراما مرغماً، يحمل في جعبته فيلمين. الأوّل وثائقي أنتج لمصلحة قناة «العربيّة»، بعنوان «العراق بين احتلالين»، ويتناول التحوّلات السياسية في بلاد الرافدين منذ الاحتلال البريطاني حتى الغزو الأميركي الأخير... وعُرض الجزء الثالث والأخير منه ليلة إعدام صدام. الثاني، شريط «انتهاك»، الذي كتبه وأخرجه وأنتجه، ويتحدث عن اغتصاب خمس مريضات نفسيات ليلة احتلال بغداد، وفاز بجائزة «ذهبية الإبداع في الإخراج»، في «مهرجان القاهرة» (2005). أما العملان الأبرز في مسيرته، فهما «الدهانة» (إخراح علي أبو سيف/ 2010)، ويتناول حكم عبد الكريم قاسم، وعلاقته المضطربة بالشيوعيين، و«الحب والسلام» (إخراج تامر اسحق/ 2009) أوّل مسلسل حربي عربي... وقد زار بيروت أخيراً لإطلاق تصوير الجزء الثاني منه مع المنتج اللبناني صادق الصباح.
عن موجات نزوح العراقيين إلى السيدة زينب في سوريا، كتب مسلسل «السيدة» (إخراج غزوان بريجان/ 2010)، من بطولة منى واصف «التي أضافت إلى المسلسل نكهة خاصة»، يقول. في رمضان الماضي، قدّم عمله المثير للجدل «أبو طبر» (إخراج سامي الجنادي)، عن القاتل المتسلسل الذي ظهر في العراق مطلع السبعينيات، وأدخل المجتمع العراقي في حالة رعب، بعدما قيل إنّه من صنع النظام. مشاريعه الجديدة، رواية تأخّرت كثيراً، ومسرحيّة عن محمد البوعزيزي، تجري التدريبات عليها حالياً في بغداد. لم يفاجَأ بثورة الشعوب العربيّة، رغم استعانة بعضها بـ«البرابرة» كما في ليبيا. ألم يكتب كفافيس «البرابرة نوع من حل»، عادّاً همجيّة أميركا أفضل للعراقيين من «حنان» صدّام! ويذهب المالكي أبعد من ذلك حين يرى أنّ ما حصل في العالم العربي هو ثمرة ما حصل في العراق. «انتهى عصر اضطهاد الأقليات... الأقلية تستطيع أن تغلب الأكثرية بالموبايل».


5 تواريخ
1969 
الولادة في بغداد
1993 
تخرّج من قسم السينما
في «كلية الفنون الجميلة»
التابعة لـ «جامعة بغداد»
1996 
باكورته الدراميّة
«عريسان في محنة»
2005 
فاز فيلمه «انتهاك»
بجائزة «ذهبية الإبداع في الإخراج»
من مهرجان القاهرة السينمائي
2012 
بدأ في بيروت تصوير الجزء الثاني
من مسلسل «الحب والسلام» للمنتج اللبناني صادق الصباح

هناك تعليق واحد:

  1. اخر حوار في صحيفة الاخبار البيروتية للصحفية المبدعة مريم عبد الله

    ردحذف

  (حين وقفت الحرب) كنت ألعب البليارد في محل ماجد النجار في منطقتي القديمة، حي الأمانة، وكنت لاعبا قويا، ولكن مثل الحياة، حتى اللاعب القوي في...