الأحد، 8 أغسطس 2021

 (حين وقفت الحرب)

كنت ألعب البليارد في محل ماجد النجار في منطقتي القديمة، حي الأمانة، وكنت لاعبا قويا، ولكن مثل الحياة، حتى اللاعب القوي فيها، عليه ديون يجب سدادها، وكان قلبي مثقل بهذه الديون، أقصد ديون البليارد لا الحياة، فالأخيرة، تعودنا عليها حتى تكسرت الحروب على الحروب، كما يقول المتنبي، هل قال الحروب!؟ على العموم، فقد أطفأت نصف ديوني بـــ "المغالَب" يعني أن أغلب شخصا ما، وهو يدفع خسارته لتسديد ديوني، ولنا في البليارد قواعد، ما أنزل اتحاد اللعبة العالمي مثلها.
في تلك الليلة، اشتعلت السماء نيرانا، حتى خلت أن الله نفسه، يطلق الرصاص من كلاشينكوف عملاقة، في سمائه المرصعة بالنجوم، وأدعية الأمهات التي تعود خائبة، وحسرات الزواجات اللواتي لديهن جنودا في الحرب، منهم من عاد في تابوت يغطي فضيحته -فالحرب فضيحة- علم عراقي، وآخر مدفون في مكان اسمه "مفقود" لا أحد يعرف سره حتى اليوم، وربما لا وجود له في خارطة استيعاب الآه، وآخر في قفص أسر ينتظر فرج الله، الذي سيتأخر عنه لأكثر من عشرين سنة، يا لها من نكسة؟
حدث هذا في اليوم الثامن من الشهر الثامن من عام 1988، كنّا في المحل الضيق، نتساءل: "ما هذا الرمي المجنون؟" دخل عادل شقيق ماجد الذي كان في البيت المحاذي لمحل البليارد، هتف بصوت مبحوح: "وكفت الحرب". فتحنا التلفزيون، كان المذيع "مراد" رحمه الله يقرأ ما عرف بــ "بيان البيانات" قال فيه إن إيران وافقت على وقف الحرب، حسب قرار الأمم المتحدة كذا وكذا، كنت لا أهتم بأرقام البيانات قدر اكتراثي بأرقام الكرة (9) الصفراء، والكرة (8) التي نسميها زوجة الشهيد لأنها كانت سوداء -هكذا تدخل الحرب بتفاصيلها الدقيقة في حياتك حتى الترفيهية منها، فيالها من بنت كلب!- صاح ماجد فرحا، وربما هو نادم حتى هذا اللحظة: "ديونكم مطفية" أي لم يعد يطلب أحدا من رواد محله الصغير، صرخنا بفرح طفولي: "هييييييييييي"، هل فرحنا بموت ديوننا أكثر من فرحتنا بموت الحرب؟
اشتد إطلاق الرصاص الى وجه الله، لا أدري إن كان عرفانا أو لوما لأنه تأخر ثماني سنوات كي يوقف عويل هذه الحرب التافهة.
خرجت راكضا الى البيت، كان يبعد 400 مترا، عن كرة بليارد أخيرة، لم أستطع إدخالها في جيب حتفها، بعد أن أغلفها بعلم من وهم، ولأن الظلمة حالكة، مثل أيام حياتنا، والرصيف محفّر مثل أعمارنا التي حفرتها القنابل الضالة، سقطت إلى الأرض، خرج الدم من ركبتيّ، يا للألم، وقفت من جديد، كنت شابا في التاسعة عشر من الهم، لكني محدودب وقلبي شاب مبكرا، كما أي عراقي، ركضت مع شعور بالفرح لا يدانيه أي شعور، دخلت الى البيت، وجدت أهلي في غاية السعادة، إلا أبي، كان حزينا، مرتبكا من أن يطالبه أحدنا بالإيفاء بنذره، فقد كان لدى أبي، مذياع "راديو" نوع ناشيونال" صار اسمه اليوم "باناسونيك" وهو ياباني يلتقط أبعد إشارات الموجة القصيرة SW التي انقرضت وحلّ محلها الـــ FM البسيطة، كان في كل ليلة يتمدد على فراشه على الأرض، ويضع هذا الغضب "المذياع" أمامه، وكعسكري ملكي منتظم، يستمع إلى أخبار إذاعة مونتي كارلو والبي بي سي، اللتان كانتا تغطيان أخبار الحرب، ذات يوم، وكنت منشغلا بمتابعة عمل درامي لأسامة أنور عكاشة رحمه الله قلت له: "متى تطفئ هذا المذياع؟" أجابني: "نذر عليّ، عندما تقف الحرب، سأقذفه من الطابق الثاني وأحطمه" ضحك وأدار المذياع جانبا، كي يلتقط صوت المذيع المتحمس بنقل وقائع وقف الحرب، بدقة أكثر.
هذه هي قصة النذر، ولأن هذا المذياع، شكل أزمة وجودية لي، قلت لأبي بلهجة آمرة حانقة: "هيا، قم وأرمي المذياع من السطح الثاني للبيت" ضحك وقال لي بالحرف: "ولك اليوم بدت الحرب على العراق، أنت مخبل؟"
هؤلاء الكبار في السن، من أين يأتون بحكمة صنّاع التاريخ هذه؟ كيف لهم أن يقرأوا ما لا نقرأه نحن الشباب الذين هرمنا قبل أوان الحب؟
كصانع ساعات سويسرية دقيق، ظل أبي يوميا يبحث عن الحرب في مذياعه الصغير، وعندما لا يسمع صوت مدافعها عبر الموجة القصيرة، ينام مرتاحا، كان همّة طبعا أولاده الخمسة، الذين نجّاهم الله بالصدفة، ولم يعودوا في كفن خاكي.
مع الأيام ضعف دور الراديو في حياة أبي، صار لا يكترث له اكتراث الأيام السابقة، لكن، وبعد عامين، دخل صدام الى الكويت، قال أبي بصوت منهزم: "يعابيك الله، شيطلعك منها يا مصخم، جيبولي الراديو" وعدنا الى صوت مونتي كارلو والبي بي سي وصوت أمريكا هذه المرة، نسمع الى صوت المجنزرات القادمة عبر البحار لتحرير الكويت، وتحريق العراق، حتى وصلت تلك الليلة التي سقط فيها أول صاروخ على العراق، صعد أبي الى السطح، صعدت معه لاهثا من الدهشة، نظر أبي الى الأفق، كان يبدو كما لو أن كرنفالا للموت، بدأ يطلق ألعابه النارية، فرحا بأرواح الضحايا وهو يأخذهم مضرجين بالدم والرعب، أعاد أبي جملته التي ما زال صداها يتردد في رأسي كموال جنوبي حزين، ولكن هذه المرة الى أمريكا لا الى صدام: "يعابيكم الله.. بعد شيطلعكم منها".
مات أبي بعد أقل من سنة، بالتحديد في 11/11/1991 بعد أن اطمأن الى أن كل أولاده وللمرة الثانية، لم تأكلهم نيران الحرب، ودّعنا بهدوء وعلى وجهه ابتسامة غامضة، خلت أنه سيقول نبوءة جديدة، ربما كان سيقول: "انتهى العراق، اهربوا منه" من يدري، لكني أنا أقولها الآن، كما قلتها في نهاية مسلسل "فوبيا بغداد" عام 2007 على لسان البطل، الدكتور هيثم: "اهربوا.. اهربوا.. الحرب الآن بدأت".



السبت، 24 يوليو 2021

قل لي الى أين المسير؟








بدأ هاجس الهجرة عام 1988 عندما كنت في المرحلة الأكاديمية الأولى لدراسة السينما، كان وما زال شغفي في (الفن السابع) لا يدانيه شغف، وبسبب ظروف الحرب الأولى مع إيران والثانية مع الكويت، وبسبب الحصار الأميركي "الدنيء" على الشعب العراقي، حققت حلمي بالسفر عام 1997 لا لدراسة السينما، بل للبحث عن فرصة عمل في الأردن، المكان الوحيد الذي كان يحق للعراقي السفر إليه!
في الأردن شاهدت الصحب من الفنانين والكتّاب، يقفون بطوابير أمام الأمم المتحدة التي كان مقرها في "شميساني" منهم من يقدم طلبا للجوء، ومنهم من يستلم قرار توطينه، حتى أني شاهدت شاعرا كان من أكبر المادحين لصدام، يهتف بعد أن ظهر توطينه في "هولندا" صائحا: "يالتنشد، أمستردام عنواني".
تقدمت عدة خطوات نحو باب المفوضية لكني تذكرت أن لي أهلا في العراق، خفت عليهم من تحمل وزر طلبي للجوء، تركت الأمر، وتمكنت من بيع أول أعمالي في الأردن لا في العراق -وهذه من المفارقات- للأخ المنتج الأردني محمد ياغي، والذي كان بعنوان "اللاهثون" وتم تعديل القصة والحوار ورفع مشاهد الموبايل، فقد تم انتاجه عراقيا لا أردنيا كما هو مكتوب، بقيت في الأردن عدة أشهر، وعملت مع المنتج فواز الزبن والمنتج والأخ الكريم محمود الشيبي وآخرين.
سفرتي الثانية عام 2001 كانت الى الأردن أيضا، وكانت هذه السفرة، هروبا من حزني على أخي صادق الذي توفي بمرض عضال رحمه الله، وأنا هناك، سمح للعراقيين بالسفر الى سوريا، ولأن الشام حلم عمري الذي لا ينتهي، على الفور أخذت تكسي ووصلت الشام منتصف الليل، فلم أجد مكانا أنام فيه سوى حديقة أحد المساجد -لا أذكر اسمه الآن- ثم أجرت في نهار اليوم التالي منزلا منزويا على حافة تل عال، وعرفت من خلال مخلفاته أن الساكن قبلي، لم يكن سوى أخي وصديق عمري الدكتور حسن السوداني، وقد سافر قبل أيام الى السويد، قلت مع نفسي، فعلها هذا الملعون وعبر البحر.
في سوريا بقيت عدة أيام ثم عدت الى العراق.
ما زال هاجس الهجرة يؤرقني، كذلك تحمل مسؤولية زوجة وأربعة أطفال صغار، وقد بلغ الحصار فينا مبلغا منكسا للكرامة والأمل.
سقط صدام وانتهت الدكتاتورية، هللنا وفرحنا، ومن كان ينوي الهجرة، عدل عن قراره، متوهما أن خلاصا ممكنا في العراق قد لاح أفقه من بعيد، لكني مؤمن بقول أحدهم: "هنالك ضوء في نهاية النفق، قطار قادم ليدهسك" وكان هذا القطار هو الحرب الأهلية التي اشتعلت في العراق عام 2006 بين الأخوة الأعداء.
كانت هجرتي هذه المرة حقيقية، الشام طبعا، وأين، أبعد مكان عنها وأقرب مكان الى العراق، الى الحسكة، المحافظة الوادعة، النائمة على نهر الخابور المندرس، كنت أرى من نافذة شقتي العالية ظلال جبل سنجار الذي يبعد عني ساعتين، فأبكي وأنا أسمع صوت كريم منصور ينوح: "تغطيت وبعدني الليلة بردان، لأن مو أنت يمي، فراشي بارد".
قدمت اللجوء الى أميركيا عند المفوضية التي كان يديرها الحسكاوي "أبو يوسف" وكان معي الكاتب فلاح شاكر، لكن، وبعد عامين ونصف، سمعنا أنباء مفرحة من أن العراق قد لعق جراحه الأزلية وأن اللعبة الطائفية التي بدأت 2006 قد انتهت بالتعادل صفر صفر، ولا أعرف كيف، عدت الى بغداد على امل جديد، لكني رأيت ضوء جديدا في النفق، إنه قطار آخر قادم إليّ، وبقدرة قادر، حصلت على فيزا الى أوربا، بعت مكتبتي، قلت لأهلي، لن أعود، كان هذا عام 2009، فحملت حقيبة صغيرة، وطرت الى باريس، وهناك رأيت لون السماء مختلفا عن سماواتنا الرمادية، فهي زرقاء، زرقاء جدا، والغيم، يشبه قطع عملاقة من القطن، تعوم في فضائها، صحت: "ولكم الله يحب فرنسا أكثر من بلداننا المسلمة، خايبين شوفوا الجو". ضحكت الأرصفة وواجهات المحلات الأنيقة، لوحت لي مبتسمة، شابة تشبه "الحلقوم" كانت منشغلة بتقبيل رجل أفريقي، نحيف وطويل، طويل جدا، أطول من حروبنا.
قال مضيفي: هونك، تعال نركب المترو لترى الطراوة الفرنسية، وهي تجلس مقاطعة ساقيها للريح ولعيوننا المكبوتة، ولأن وصولي كان في شهر الحر تموز، كن الباريسيات الأنيقات لا يرتدين من الثياب إلا أقلّها قماشا، وأكثرها عذابا، عذاب رجل أربعيني "خرج من الحرب سهوا" كما يقول صديقي اللعين الثاني بعد حسن السوداني، الشاعر عدنان الصائغ، فقد غادر العراق هو الآخر أيضا في التسعينات، "لعنكما الله، كيف تركتماني ككلب محصور في جامع مليء بــ "نعل المصلين؟"
قلت لمضيفي، خذني لمتحف اللوفر، فأخذني، وبكيت عندما رأيت أول قطعة في المتحف، وهي مسلّة جدي الذي لا أعرفه ولا يعرفني جينيا، جدو "حمورابي" ثم قلت مع نفسي: "من الجيد إنها هنا، فلو كانت في متحف العراق الوطني الذي في العلاوي، لكانت قد هدمت أو سرقت ليلة التاسع من نيسان احتلال بغداد، وربما في أحسن الأحوال، تباع منها قطعا، في سوق الحرامية أو سوق الوقفة في الباب الشرقي، مع القنادر والثياب المستخدمة "البالات".
في اللوفر التقطت أول صورة "سيلفي" بتاريخ البشرية، مع المونوليزا، بعد أن نفدت بطارية كاميرتي، كان هاتفي بكاميرا خلفية واحدة نوع نوكيا، أيام مجد هذه الشركة.
بعد أسبوع من حياتي الباريسية الأنيقة، سافرت لمدينة ليون، لألتقي بصديقي دمث الخلق، الكوميدي الساخر، النحات "حيدر وادي" وزوجته الفرنسية (فلورنس) لأسكن عند السيدة "أديث" عازفة البيانو في الفرقة السمفونية الجنيفية، القريبة من "ليون" فكانت هذه فرصة للسفر الى جنيف، عاصمة الدولة التي وقفت دائما على الحياد، وفي كل الحروب، حتى صارت مكانا جيدا، يخبئ اللصوص الكبار في بنوكه، خردة أحلامنا التي سرقوها، أموالهم السحت المقدس.
سافرت الى جنيف كي ألتقي صديق عزيز عليّ، وهو "ر.أ" الساكن في زيورخ -تبعد أربع ساعات عن جنيف- حتى إذا جاء، تسكعنا في المدينة التي كانت ميته، لولا بحيرتها ونافورتها العالية، ولأول مرة أشاهد عاهرات يقفن أمام محلاتهن لعرض بضاعتهن المغرية، وتعاملت مع واحدة منهن وكانت ملونة، سألتها "أشكد أبيش؟" ترجم صديقي حيدر وهو يضحك، فجاءني الجواب "ستون يورو" قلت لها "يصير بخمسين؟" وأنا وحيدر و "ر.أ" نضحك، فقالت بعصبية غاضبة: "Pourquoi" وتنطق كل هذه الحروف هكذا "بكوا؟" يعني بالعراقي: "ليش عيني، أشايفني، عوبه؟" لكني فهمت من غضبها أن الشعب الجنيفي لا يعرف معنى "العِمْلَة" والمشاطرة التي نمارسها في أسواقنا العربية، فجرجرنا خطواتنا ونحن نقهقه -ولحد الآن لا أعرف لماذا كنّا نضحك- الى أقرب مطعم تركي، كي نأكل اللحم الحلال!
في جنيف، زرنا نصب "الشهيد" دميلو، مبعوث الأمم المتحدة الذي جاء الى العراق كي يصنع وطنا تعترف به الأمم، فأرجعناه الى عائلته أشلاء مقطة! قدمت له بوكيه ورد، مع اعتذار خجول، قلت له: "ما أدري شكلك خوية؟".
عند البحيرة، اتصل بي المنتج العربي اللبناني الصديق "صادق الصبّاح" ليبارك لي نجاح مسلسل "الحب والسلام" وقد كان يعرض وقت سفري، أذكر أني رقصت وحدي وحيدر و "ر" يصفقان لي، لم يبق -كي تكتمل سعادتي- سوى إكمال مراسم ذبح الأضحية، بتقديم طلبي للحصول على حق اللجوء السياسي، لأخلص من كآبتي المزمنة.
عدنا الى ليون ذات النهرين، كي أبحث عن أقرب مركز شرطة لأحصل على حق اللجوء، كبقايا إنسان، هرشت عمره الحكومات الوطنية! وقفت أمام باب المركز، هي خطوات تفصلني عن حلمي الأزلي في الهجرة الذي كان منذ عام 1988، تقدمت بعضها، شعرت بغصة الى اليوم لا أعرف معناها، شيء يشبه خازوق بلوري يتوعد لي بحياة جديدة، في مدينة هادئة، كوجه إنسان ميت، كما قال أحد الشعراء الذي نسيت من هو، يمكن روسي، المهم، خفت من التجربة، خفت من صوت أوراق الأشجار وهي تسقط فيطيرها الهواء، كعصافير ملونة، خفت من النساء الجميلات، والنهرين العامرين بالأسرار، هذه مدينة لا أحتملها، هواؤها الخفيف، ثقيل على رئتي، مدمنتا النيكوتين والقطران ورائحة البارود واليورانيوم المنضّب، دَمْعت، هو آني هيچ "أبو دميعة" قلت لحيدر، خوية احجز لي أقرب طائرة تعود بي الى الخراب الأزلي، الذي قدر لي أن أختم حياتي فيه، دعني أحتفل هناك، في بغداد، وسط المؤامرات الليلة التي يحوكها الزعماء الوطنيون، بخيوط منسلة من بقايا أعمارنا، دعني أحتفل وحدي بنجاح مسلسل "الحب والسلام" وأنا أسمع صوت "صلية" كلاشنكوف على بيت "مكرود" عنده طلابة مع عشيرة تمتاز بالعادات العربية الحميدة، وعلى صوت انفجار سيارة إسلامية، تقطع أوصال الأبرياء في الأسواق والمناطق الشعبية، يا أخي أحنّ الى صوت الطائرات الأميركية وهي تخترق حاجز الصوت، فتصدر انفجارا قويا يذكرنا بهذا البلد الذي يصدر الحرية والديموقراطية الى شعوب العالم، بواسطة عربة نقل اسمها "كروز"، أرجعني يا حيدر الى بغداد، فمثلي لن يعيش في غير خرابها. وللقصة بقية.

الخميس، 22 يوليو 2021

 رسالة من الكاتب المسرحي أحمد الصالح:

"

رسالة مفتوحة للصديق الكاتب
اتابعك منذ فترة من خلال بوستاتك وتأكد لي أنك تمر بحالة اكتئاب غير حميدة ..
انت معذور طبعا ..
فحسك الإنساني ووعيك والظروف التي تعيشها هناك أسباب مقنعة لما انت فيه ...
لكنك لم تزل بوعيك ومتمكن من قدراتك على ما أظن .. وهذا هو الوجه الحسن في قصتنا هذه ..
ولاني شاهدت لك بعض اعمالك التلفزيونية على اليوتوب ..
اجد من باب الصداقة أن أدعوك مخلصا إلى التفكير بكتابة مسلسل (كوميدي اجتماعي) وفق القياسات المتعارف عليها مهنيا وعالميا .. وانت تعرفها بالطبع ..
ليكن مسلسل Friends الأمريكي مثالك ..!!
مسلسل يتناول التغيرات الكبيرة التي طرأت على سلوك شباب العراق في السنوات الأخيرة وفي مقارنة مع فترة ( شباب ) آبائهم في زمن صدام ..
وانت عشت الحقبتين ...
مسلسل كوميدي ساخر من هذا النوع .. بحيث وانت تكتب حواراته تضحك ..
انا واثق سيخفف كثيرا من حالتك .. وفي نفس الوقت ستقدم لنا عملا يستحق المشاهدة ...!
ستقول لي ..
لماذا لا تكتب انت ..؟!
صدقني ..
لا وقت عندي لذلك ..
ولا عندي ( قرصاغك ) وطول خلگك بالكتابة ..
كما أني لم أعش حقبة ما بعد صدام في العراق ...
توكل على الله ..
وفكر بالموضوع ..
اخوكم ..

فكان هذا جوابي له مع المحبة

"سعدتُ وأنا أقرأ رسالة الكاتب الصديق الأستاذ أحمد الصالح، المقيم -قسرا- في الولايات المتحدة، وشريك البلوى، عندما قمنا ببيع مكتباتنا الشخصية منتصف التسعينات في المتنبي، بعد أن هرسنا الحصار الاقتصادي الملعون.

صديقي أنت تعتقد أن الكتابة الكوميدية، تجعل الكاتب يخرج من كآبته، وفي هذا نوع من حقيقة، لكن لا ننسى أن عظيم الكوميديا، الإنكليزي (شارلي شابلن) كان كئيبا على الدوام، حتى أنه هرب بزوجته (آنا) ابنة المسرحي العظيم (أونيل) الى أرض نائية في سويسرا، بعد أن منعته الولايات المتحدة الأميركية من الدخول الى أراضيها، عندما سافر ليوزع فلمه "أضواء المسرح"! لــ "شبهة في أفكار ماركسية تتخلل أفلامه" فقرر العزلة الحزينة حتى مات، بعد أن منحوه "غصبا عنهم" الأوسكار الشرفي الوحيد أواخر أيامه، وأسألك هذه المرة:
كيف لا تكون كئيبا وأنت ترى جرف الوطن تأكله الخيانات التي ترتدي قناع الوطنية الزائف؟
وترى الى مستقبل مجهول ينتظر أولادك من بعدك، وأنت تتركهم في مجتمع قاس وبدوي وقروي متأخر، الواحد فيه يستطيع أن يقتلك بــ "صلية" كلاشينيكوف بدم بارد لأتفه سبب بالكون؟
كيف لا تكون كئيبا، وأنت تسمع لشوبان وموزارت وبيتهوفن، فيدخل الى مسمعك صوت مؤذن، يؤذن بقوة مائة ديسابل، بينما تستحمل الأذن البشرية عشرة ديسابل فقط؟ او ترنيمة العصر عن الصمون الذي عشرة منه بألف، أو هيلب مي مستر بايدن؟
كيف لا تكون كئيبا وأنت ترى من تعرفهم وتعرف تاريخهم القديم والمشوه، يَعْلَون في المناصب لا عن جدارة، بل عن تملق ولواكه، ويقررون مصير حياتك ومستقبل أولادك؟
كيف لا تصاب بالكآبة وأنت كلما خرجت الى الشارع بسملتَ، وبسملتْ عائلتك معك، فإذا عدت سالما، تحمدتَ، وتحمدتْ عائلتك معك، كأن الشارع صار ساحة حرب لا فسحة فيه للعمل أو النزهة؟
اتركنا من الكآبة، ودعني أقصُّ لك الأخبار الجيدة والتي ستبهج قلبك المحب:
منذ أن اشتعلت نار الوباء، وبسبب طبعي بالبقاء في البيت، "لإيماني أن خارجه خطر دائم" قررت الاستفادة من هذه العزلة الإجبارية، فراجعت أوراقي القديمة، وجدت عدة كتب وروايات قديمة لم تكتمل بعد، اتصلت بالكاتب المسرحي الكبير فلاح شاكر، وفي لجّة الحوار، ذكّرني برواية قديمة، كنت قد أكملت أكثر من نصفها، وكان هو الوحيد الذي أطلع عليها، بواقعها المحدّث، فحثني على إكمالها، وقد كان مشجعا جدا بطلبه، وفعلا، ولأكثر من سنة، وبساعات عمل مستمرة من الظهر حتى وقت متأخر من الليل، أكملتها وأنا ألعب "الختيلان" مع فايروس كورونا.
أرسلت الرواية الى فلاح والى الروائي الصديق القديم الأستاذ حميد المختار، وإلى المثقف الكبير نصير غدير، والروائي أسعد الهلالي وآخرين من الزملاء الأحبة، وطلبت منهم مراجعة الرواية وتصحيح الأخطاء اللغوية والنحوية التي فاتتني، فلم يقصروا بذلك، وشجعوني على نشرها.
بدأت بالاتصال بدور النشر العراقية لنشرها، لكن فلاح أتصل بي في وقت متأخر من ذات ليل، وقال لي:
"الليلة آخر موعد للمشاركة في مسابقة (كتارا) للرواية في قطر، وفي المسابقة فئة للرواية الغير منشورة، أرسل روايتك وستفوز"
وفعلا، أرسلت الرواية قبل موعد نهاية استلام النصوص بساعات قليلة، وستظهر نتائج المسابقة شهر كانون الثاني من هذا العام.
علما أن هذه الرواية شرعت بها عام 1996، والوحيد الذي قرأها يومها، هو المرحوم خضير ميري، والذي ألحّ على الاستمرار في كتابتها، لكن هروبي الى عمّان عام 1997 حال دون ذلك.
بعد ذلك شرعت بإكمال رواية كنت قد أنهيت نصفها أيضا قبل عدة سنوات، وتتحدث عما جرى في بغداد ليلة مقتل "عبد الكريم قاسم" وهنا أول مرة أبوح بموضوع الرواية.
وأثناء الكتابة هذه، كنت قد شرعت بتدوين يومياتي مع موضوع كورونا بنوع من تأمل، فأكملت الجزء الأول وشرعت بالجزء الثاني من الكتاب عن الموضوع نفسه، كما أكملت أول خمسين ورقة من ما تحفل به ذاكرتي عن الخمسين سنة التي عشتها، وهذا كتاب آخر.
كذلك كتبت سيناريو مسلسل من ثلاثين حلقة، وحدث اختلاف بيني وبين جهة الإنتاج ووضع على الرف بانتظار فرصة لظهوره للجمهور الكريم.
فكما ترى صديقي العزيز، الاشتغال بروايتين وكتابين في آن واحد، مع إكمال مسلسل درامي من ثلاثين حلقة، وفي زمن الموت هذا، شيء جيد، وأيضا، كوني كاتب سيناريو، هذا لا يمنعني من كتابة باقي أنواع الفنون، ولا ننسى بأن نجيب محفوظ وماركيز، كانت بدايتهما مع السيناريو، ثم هربا الى الرواية، ونالا من خلالها، نوبل الأدب بجدارة.
لماذا تركت السيناريو كما تعتقد؟
نعم تركت السيناريو في الوقت الحاضر لأن شروط الإنتاج اليوم لا توافق طريقتي في الكتابة، وأنت تعرفها كونك مختص في الكتابة الدرامية، بل وأقدَم مني نشاطا وإبداعا، وفي هذا حديث نقوله في مناسبة أخرى.
مسلسل الأصدقاء FRIENDS الأميركي، الذي بدأ إنتاجه عام 1994 وانتهى عام 2004 من المسلسلات المهمة التي انتجها تلفزيون ورانر برذرز، وقد شاهدت معظم حلقاته في موقع سينمانا، وهو مسلسل حقق نجاحا جماهير في العالم كله لا في الولايات المتحدة فقط، كان زمن الحلقة أقل من نصف ساعة، وهو يتحدث عن الحياة اليومية لست شخصيات تتراوح أعمارهم بين العشرين والثلاثين.
يسمى هذا النوع من المسلسلات بــ "السيت كوم" وأنا أول من كتبه في العراق، بواقع خمسين حلقة في جزأين لقناة البغدادية عامي 2004-2005 باسم "عائلة في زمن العولمة" وتنبأت فيه بكل ما سيجلبه الأنترنت من مشاكل اجتماعية خطيرة، وحقق المسلسل نجاحا طيبا.
أما لماذا لا أكتب مقترحك الكريم والمستفز إبداعا، فهذا لأني منشغل بإكمال روايتي الثانية والكتابين الآخرين، والوقت لا يسمح لي بمواصلة التأليف للتلفزيون في الوقت الحاضر على الأقل.
شكرا ثانية لمحبتك وقلقك على رفيق مهنتك، وهذا نبل قلّ أن نجده في تاريخ العلاقات الأدبية العراقية، خاصة موضوع الرسائل المتبادلة بين الكتّاب، لعل رسالتك هذه وجوابي لها، تكون فاتحة لنوع مهم من أنواع الكتابة الإبداعية التي يفتقد إليها الأدب العراقي، كتب الرسائل الخاصة.

الاثنين، 4 نوفمبر 2019

الجيل الإلكتروني المتمرد


أطلق عليه بعض المهتمين - وهم يحاولون تعريفه - اسم "جيل ما بعد بعد الحداثة" ولكن، ماذا عن الأجيال القادمة بعده؟ هل سنبقى نقول: جيل ما بعد بعد بعد بعد بعد الحداثة؟ هذه إشكالية انبثقت أول مرة عندما تم اختراع لقب "جيل الحداثة" ثم "جيل ما بعد الحداثة" كانت الدعوة صريحة للبحث عن اسم جديد للأجيال التي ستأتي بعد جيل ما بعد الحداثة، وهم، الجيل الذي ولد بعد ست سنوات من عام 1989، عام هدم جدار برلين، الجيل الذي أنفتح على العالم، مهدمّا جدران الفصل الفكري والاقتصادي، والذي قتل "متوهما" الحرب الباردة الأميركية-الروسية، وبالتحديد الجيل الذي ولد في منتصف تسعينات القرن الماضي، والذي يطلق عليه الخبراء، الجيل زد Generation Z) ) هذا الجيل الذي يحرك الشارع الغاضب في كل قارات العالم اليوم، في شيلي، هونغ كونغ، برشلونه، باريس، الجزائر، بيروت، بغداد ودولا أخرى، هذا الجيل الذي نشأ مع نشوء ثورة الاتصال الإلكتروني، خاصة بعد ظهور العملاقان فيس بك وتويتر، كذلك الناشر الفلمي المهول، يوتيوب، هذا الجيل الذي لم يربَّ من قبل والديه وعائلته فقط، كما هو المعهود ، بل تدخل في التربية، آخرون، استطاعوا في أحيان كثيرة التأثير على أبناء هذا الجيل، لدرجة أن يقوم شاب عراقي، بتجنيد مراهقة ألمانية، ويجرها من ألمانيا الى داخل العراق، عن طريق تركيا ويتزوجها، ثم تعمل معه في الإرهاب، وهذا ما أطلعت عليه شخصيا في ملفات الإرهاب في العراق، هذا الجيل، ببساطة لا يمكن السيطرة عليه، خاصة وأنه حشر في زاوية الفقر الضيقة، بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية التي حدثت عام 2008 وفساد الحكومات التي توالت على حكم العراق، وباقي الدول التي نشهد لها بالثورات هذه الأيام، فكيف إذا جاء الكساد الاقتصادي المتوقع في 2020؟ ماذا سيفعل أبناء هذا الجيل، الذي يمتاز بعدّة أشياء قد لا يدركها الكل؟
لهذا الجيل عدة مميزات دعونا نذكر بعضها على عجالة:
1-  لا شيء مقدس عند أبناء هذا الجيل، وإن وجد، فسيتم تقدسيه بطريقة مريضة، كما عند متطرفي السنة والشيعة واليمين المسيحي المحافظ، والكرد العنصريين ومثلهم التركمان وباقي مكونات العراق مثلا، كذلك النازيين الجدد في أوربا وغير دول، ممن هم بهذا العمر.
2-  أبناء هذا الجيل، لا يعرفون رموز بلادهم الثقافية والفنية والاجتماعية، ربما يعرفون نجوم كرة القدم، فهذه لعبة شعبية، أما إذا سألتهم عن رموز بلدهم التي ذكرت، فلا يكادون يعرفون إلا ما درسوه في المدارس.
3-  لا يحبون الشعر الرصين، يفضلون الشعر الشعبي البسيط، والذي نجح في تناول همومهم الحياتية، بينما فشل شعر التفعيلة المغال بقوانينه، والشعر الحر الذي صار مطية للعديد من الشعراء ممن هم من أبناء هذا الجيل، ليكتبوا في كلمات لا معنى لها، قصائد هزيلة، يصفق لها أبناء جيلهم أنفسهم، ممن لم يقرأ للسياب أو للماغوط مثلا!
4-  أبناء هذا الجيل، الجيل Z، لا يسمعون الأغاني الجميلة التي تربينا عليها، ذات الكلمات الجميلة والألحان الهادئة، بل يميلون الى سماع الأغاني السريعة، والأخرى التي تفلت كلماتها، من أي قيود شعرية ولغوية، والتي أسمها (الراب)، نعم فالراب محرض أكثر من أغاني فيروز أو أم كلثوم، التي تدعو الى الحب وتتحدث عن غدر الحبيب، فهذا الجيل، ليس عنده مشكلة إن غدر به حبيبه، أو غير حبيبته يوميا، إذا حدثت أبسط مشكلة بين المحبين، فالحب أو (العروض لعلاقات جديدة) أمر صار متاحا على صفحات التواصل الاجتماعي، لهذا نرى كثرة حالات الطلاق في مجتمعاتنا المعاصرة، عكسنا نحن أبناء الأجيال الأقدم، الذين نحب ونتزوج بنت الجيران، أو القريبة، أو الزميلة في الكلية، أو في الوظيفة، بالنسبة للخائبين الذي يجدون حبيبتهم بعد تقدم العمر، فلم تكن لدينا مصادر متاحة تتواجد فيها عروض العلاقات الغرامية فالزواج، كما هو اليوم.
5-  التدخين عند أبناء هذا الجيل ليس عيبا، بل يكاد أن يكون تدخين الناركيلة، والتي هي أكثر ضررا من السكائر، كما تقول التقارير الصحية العالمية، طقسا تشترك به الشابات مع الشباب في أماكن عامة، وأيضا من الممكن تدخينها أمام الأهل، أمام الأب والأم، عند الأجيال الأقدم من هذا الجيل، كان تدخين السيكارة محرجا لنا أمام الأهل، ونحن كبار العمر. هذه جرأة ستولد جرأة أكبر، وهي تناول الحبوب المخدرة والحشيش وباقي المخدرات، التي انتشرت في مجتمعنا العراقي المحافظ، بل وصل الأمر الى السماح لبيعها في الأكشاك في بعض الدول الأوربية، بعد أن كانت جريمة توقع بمرتكبها تحت طائلة القانون.
6-  أبناء هذا الجيل يحبون السينما، ويتابعون نجومها الذين لا نعرفهم نحن الأكبر منهم، وهم لا يعرفون نجومنا المفضلة، يحبون الأفلام الخيالية مثل (سيد الخواتم) و (هاري بوتر) وغيرها، وهم يفضلون صراع العروش (Game of thrones) على أي عمل عراقي نقوم بكتابته وإنتاجه، بل وأي عمل عربي أيضا، ذلك لأن الإبهار الصوري عندهم، أهم من الإبهار القصصي، والبعض الأخر الذي يهتم بالقصة، يشاهد أعمالا أخرى لم نسمع بها من قبل، مثل (بريكينك باد) وموضوعها طبعا، أستاذ في مادة الكيمياء يصنّع مادة الكريستال المخدرة، ويتاجر بها، ليعالج نفسه من مرض السرطان، هذا جيل إذا بحث عن الثقافة، فسيأخذها عبر الفن السينمائي، ولكن هذه الثقافة التي قد تولّد عند البعض منهم نزعة التمرد الشريرة، كما أصاب العديد منهم، هوس تقليد ضحكة (الجوكر) في الفلم الشهير، الذي كان يمثل أبناء هذا الجيل المعزول، والذي لم يجد بطله الجوكر غير الانتقام وسيلة للثأر، من هذا التهميش لأبناء هذا الجيل، فخرجوا من دور العرض وهم يقلدون ضحكته، وهذه إشارة الى المنظرين المهتمين بأمن المجتمعات، للحذر من أن نموذج الجوكر، فقد يتم تقليده في المجتمعات الهشة فكريا وثقافيا واجتماعيا، كمجتمعاتنا، ويصبح تقليعة يفخر بها الشباب.
7-  هذا الجيل لا يقرأ، الكتاب آخر همه، وإذا أراد أن يقرأ تجده يقرأ ما يكتبه أبناء جيله، هو لا يقرأ الأدب الكلاسيكي مثلا، وهو بهذا محق، فتلك آداب أفنينا أعمارنا بها، دون فائدة، فهي تتحدث عن مجتمعات لا تشبهنا أبدا، لكن المشكلة، أن النتاج الأدبي لهذا الجيل، بسيط وفقير، رغم صعود نجومية بعض الكتاب الشباب، إلا أنها نجومية سريعة الأفول، ليس بسبب ضآلة النتاج الأدبي حسب، بل لأن هذا الجيل، أصلا لا يخلد في رأسه نجم، فهذا عصر ظهور النجوم السريع، والسريع أفولهم.
8-  جيل يعشق كرة القدم، وبسبب الانفتاح الإلكتروني، بدأ بمتابعة الدوريات الدولية، كالدوري الإيطالي والإسباني والإنكليزي، وصار يحفظ أسماء نجوم الكرة الأجانب، ويتعنصر لهم، أكثر من تعنصره على نجوم منتخبه الوطني، ولنا في الهوس على ناديي برشلونه وريال مدريد، ونجميهما مسي ورونالدو خير مثال، فهم برشلونيين أكثر من البرشلونيين، وريالين أكثر من الرياليين، وسبب هذا خذلانهم أمام المنتخبات والنوادي العربي، نعم جيل يرفض الخذلان، وربما هذه حسنة له، وربما العكس، هذا مرهون بقادم الأيام.
هذا الجيل سيحكم العالم بعد عشرين سنة، وربما أقل، كيف سيكون مصير الحياة السياسية الدولية حينذاك؟ هذا إذا أبقى على سلامة المجتمعات الإنسانية اليوم.

الثلاثاء، 22 أكتوبر 2019

هائم


قصة قصيرة
لحامد المالكي
أشم رائحة عفن أينما أذهب، رائحة تشبه رائحة جدار قديم في بيت مهجور منذ قرون، أو، تشبه رائحة برميل النفايات الذي يقبع ممتلئا، في رأس القطاع[1]، وأيضا، وعلى نحو مستَفَز، أنظر الى الشباب الذين يهربون من ساحة التحرير، باتجاه ساحة الطيران وهم مذعورين، عيونهم جاحظة، وفمهم يرعد بالسب بألفاظ جارحة، كانوا يسبون مبنيا للمجهول، عبارات أستحى أن أذكرها، لكن لا بأس، فلأول مرة أشعر بأني لم أعد أستحي من القيام بأي شيء، أبسطه التلفظ بالشتائم تلك، شتائم مثل: "كس أمهاتكم على هالدكة[2]" وأخرى: "ولد الكلب مناويج[3]" وأخرى وأخرى وأخرى، لكن، على من تطلق هذه الشتائم؟ ، لا أدري، كنت الوحيد الذي يقترب من ساحة التحرير بلا خوف، رغم أن الرصاص الحي، كان يمرّ من جواري، أسمع فحيح أفعى الموت التي تتلوى داخله، متوثبة للدخول في جسدي، بعد أن يحفر نحاس الرصاصة، نفقا لها، يمكّنها من الولوغ  في دمي، عليّ أن أحترس؟ لم؟ خوفا من الموت مثلا؟ أنا ميت منذ أن وعيت على هذه الدنيا، كنت أسمع الكبار يقولون: "هذه الأيام برغم بؤسها، أفضل من أيام حكم صدام حسين" ينتابني الفضول، هل يمكن أن يعيش إنسان في وقت أتعس مما نعيشه اليوم؟ كم كان الجيل الذي قبلنا جبانا إذن؟
كانت أمي تحثني على العمل بطريقة لطيفة، كنت أعرف أن راتب الرعاية الاجتماعية لا يكفي –أبي كان يعمل كهربائيا، وبينما كان يمسك بيده سلك كهرباء ذي الضغط العائلي، مطمئنا كون الوطنية مقطوعة، أقصد الكهرباء الوطنية، ولن تعود إلا بعد ساعتين، حدث خلل ما، جعلها تعود بسرعة، فصرعه السلك الكهربائي وقتله في مكانه- أعود لأمي المسكينة، عندما قلت عبارتي "تحثني على العمل بطريقة لطيفة" فأنا أقصدها تماما، ولا أجيد غيرها للتعبير عن كمية الأسى الذي يملؤها، مثل أي تطلب من ولدها أن يترك الدراسة ويذهب الى العمل، ماذا أعمل يا أمي؟ ، أنا لا أجيد إلا بعض الأعمال الكهربائية البسيطة التي تعلمتها من أبي رحمه الله، عندما كان يخرج للعمل ويأخذني معه؟ كانت تقول وهي تحرك كفها بسرعة وغضب، وبخبرة امرأة أدمنت الحزن، وفهمت لعبة القدر مبكرا، لا لا..... أنت لن تعمل في الكهرباء، تكفيني مصيبة واحدة، الحال هذه، عليّ أن أبحث عن عمل آخر، واتفقنا على أن يكون (العمّالة[4])، مهنة من لا مهنة له، وفعلا، وقفت عدة أيام في (مسطر) العمّالة وهو المكان الذي يجتمع فيه عمال البناء والخلفات، وهم قادة العمل، بانتظار رزقهم، فلم يحالفني الحظ بالحصول على العمل إلا مرتين حصلت على أجريهما، مجرد خمسين ألف دينار، صُرفت بعد أربعة أيام على الأكل فقط، أمي وأخوتي الثلاثة، أما أنا فقد كنت أتناول الفلافل في مطعم صديقي (جواد) الذي لم يكن يأخذ مني مقابلا ماليا لما اطلبه، لذا قررت أن أذهب الى المسطر الكبير في ساحة الطيران، لعي أجد فرصة عمل أفضل، وانتظرت منذ ساعات النهار الأولى ولم يأت من يكلفني بعمل، قلت لا باس، أنا جديد هنا ولا أحد يثق بالشيء الجديد أبدا، لعلي إذا عتّقني الانتظار هنا، سأفوز بفرصة عمل، جلست في مقهى العمال القريب من المسطر، هذه فرصة للتعرف عليهم، طلبت الشاي، بعد أن تأكدت أن ثمنه معي، وشرعت أتفحص الوجوه المتعبة للعمال والخلفات، الذين سحقهم التعب، في العمل تحت أشعة الشمس الحارقة، في بناء بيوت الأثرياء، فجأة، بدأ الشارع يثرثر، الشباب الذين خرجوا في اليوم الأول من تشرين، البارحة، يعاودون الخروج مرة ثانية، يهتفون بسقوط النظام، كانوا صغارا مثلي، وبطونهم ملتصقة بظهر الجوع، كانوا يشبهوني في كل بؤسي، لكنهم كانوا أشجع مني، لم لا أقفز مثلهم في الشارع، لعلّ النظام يلتفت الينا، نحن الذين يقولون علينا، أحباب الله، كي نرضى بفقرنا، قال خلفة مسن: "هذول[5] شبابنا مساكين، هو يا نظام يتغير، المناويج والمفاليس كَضّوا[6] بالسلطة والفلوس والگحاب، بعد يا هو الي ينطيها.
فار دمي، هذا رجل يائس، هذا من الجيل الذي خاف من صدام حسين، نحن لا نخاف، سأركض في الشارع باتجاه ساحة التحرير، وأهوس تحت هذا الجدار الأبيض الذي لا أعرف ما هو، يسمونه نصب الحرية، أي حرية؟ نحن أسرى الفقر، يشدّ أيدينا بحبال الذل، أمي، هؤلاء الشباب ليسوا بأحسن مني، وخرجت.
"لببيك يا حسين" كانت هذه أول ما هتفت به، سمعتها من شاب مرّ من جواري مثل الريح، باتجاه الحائط الأبيض، والى الجسر الذي يقابله، سمعت آخر يقول بصوت عال، نعبر الجسر ونسحل الهتلية[7] الحرامية، نريد فلوسنا ولد الگحاب، الحسين بريء منكم. أزددت حماسا، قلت ما قاله بطريقة مشابهة، ضربونا بقنابل دخانية ذات رائحة تشبه رائحة الفطائس، اختنقت، سعلت سعالا طويلا، نزفت عيني حريقا، التففنا على الدخان، واصلنا الركض، وصلنا الى الجدار الأبيض، كنّا مائة شاب، ربما مائتين، أنا لا أعرف الحساب، كانوا رجالا يرتدون الأسود، ويحملون البنادق، ويقفون على الجسر، وجوارهم سيارات سود عملاقة، بدأت بأطلاق مياه ساخنة سلخت جلودنا بهذا الجو الحار، صاح أحدنا، جبناااااااء، صحت مثله، جبناااااااء ثم همست لنفسي، ولد الگحبة، ثم هدأ كل شيء، أول مرة، أنقطع الصوت، هكذا فجأة، هل كان هذا بسبب القنابل الدخانية، التي أخذت تحرق عيوننا أول مرة، وتجعلنا نسعل حتى من فتحاتنا الخلفية؟ لكن، الآن الأمور أفضل، فقد توقف سعالي، لكني لم أعد أسمع هتافات الشباب كي أقول ما يقولونه، لا أعرف من أين يأتون بهذه الهتافات، كيف يسفطون كلماتها بهذه الطريقة، آخر هتاف سمعته يتردد كصدى غاضب: "بسم الدين باكونه الحرامية" كم هي جميلة وحقيقية، هؤلاء الذين كنّا نصلي خلفهم كالبلهاء، كانوا يغادرون الحسينية بسيارات آخر موديل، ونحن نمشي على القدمين، معتقدين داخل أنفسنا، إننا نسير الى الجنة، لا بيوتنا الملآنة فقرا وذهولا، أين ذهب الصوت من حولي، أرى وجوها غاضبة من الجهتين، منّا ومن الحراس، يمنعوننا من العبور الى المنطقة الخضراء[8]، لماذا؟ لا أدري، وكما فقدت القدرة على السماع، ها أنا أفقد القدرة على المشي أيضا، أنا أمشي بطريقة مختلفة عن الآخرين، أنا شبه طائر، ربما أربع أصابع تفصلني عن الأرض، طائف في هواء معفر بالدخان الحارق ورائحة البارود والعرق، قرب الرصيف الموازي للجدار الأبيض، هذا الذي يسمونه "الحرية" رأيت نفسي أرقد على بطني، والدم يخرج من راسي، وقوة ما، سحبتني وأدخلتني الى جسدي هذا بقوة، لمحت أبي يبتسم لي، لقطة خاطفة سريعة مرت من أمامي، كان يقف تحت الجدار الأبيض، وفوقه أمي معلقة على الجدار، تبكيني، ما الذي حصل؟ كنت أشرب الشاي في مقهى العمّالة، منتظرا فرصة للعمل، لا أكثر.
[1] - وحدة سكنية من وحدات مدينة الصدر (مدينة الثورة والرافدين ثم صدام سابقا) تتكون من ألف دار صغيرة مساحة الواحد منها 144 مترا
[2]- الواقعة.
[3] - مناويك، من فعل النيك.
[4] - بناء بيوت
[5] - هؤلاء
[6] مسكوا
[7] - مسبة عراقية لا معنى لها سوى انها تغضب من يوصف بها، ومفردها (هتلي)

الأربعاء، 10 أبريل 2019

(ماذا حصل في 9 نيسان وبعده) الجزء الثاني/ ظهور المهدي المنتظر

في اليوم العاشر من نيسان، وبعد يوم من اجتياح بغداد من قبل قوات التحالف الدولي، بقيادة أمريكا، للقضاء على صدام حسين، كان عليّ أن أجد طريقة للاتصال بأخي علي، المقيم في رومانيا، منذ منتصف التسعينات، كي أطمئنه على سلامة العائلة، بعد انتهاء حفلات القصف الجوي الماجنة، وكنت أعتقد أن الحرب برمتها قد توقفت، كنت واهما بالطبع، لم أكن أدري أنها حرب، ستفتح الأبواب لحروب جديدة، لا ندري متى تنتهي.
كيف أتصل بأخي علي وقد توقفت خدمة الاتصال خارج العراق، والتي كانت تتم عبر المفتاح 105 الذي يأخذ بيد اتصالك الى مسامع المخابرات العراقية، اليوم لا توجد مخابرات، وهذا شيء يدعو إلى الفرح، فلأول مرة، أشعر أني غير مراقب منذ أن جئت إلى هذه الدنيا، اختفت المخابرات وأختفى المفتاح 105 الذي عقّد العراقيين (سابقا) وهم يحاولون الحصول على خط مفتوح، للاتصال بأحبابهم خارج الوطن، لم يكن أمامي سوى الحصول على هاتف ثريا والذي هو عبر الأقمار الصناعية، تذكرت صديق عمري الأستاذ باسم جبار كلش الذي يعمل في قناة الجزيرة، فهو يمتلك هاتف ثريا بالتأكيد، ولأني أعرف أن كل البعثات الصحافية اتخذت من الفسحة التي بين فندق فلسطين مريديان وفندق عشتار شيراتون مكانا لها، تحتم عليّ التوجه إلى قلب بغداد عبر الوصول إلى كراج الباب الشرقي، ولكن كيف الوصول إلى هذا الباب؟ لا بد لي من وسيلة نقل، أرى الناس يتنقلون عبر الشاحنات الكبيرة (اللوري)، عليّ أن أتشبث بواحد منها متوجه إلى الباب الشرقي، وفعلا نجحت بتسلق أحدى الشاحنات، وكانت تعود إلى أمانة بغداد، لكن سائقها أستغلها للعمل بها لمصلحته الخاصة، لا أتذكر كم كانت الأجرة، لكني أتذكر أن ساقي كادت أن تلوى، وأنا أقفز إلى الأرض، سرت بخطوات عرجاء من الباب الشرقي إلى حيث الفندقين، كان الناس يسيرون سكارى وما هم بسكارى، الدهشة مرتسمة على وجوه الجميع، البعض كان منتشيا، والآخر كان حزينا، لا أخفي عليكم، كنت فرحا للغاية، ماذا أريد بعد؟ ها أنا ذا أسير وحدي دون عيون سرية تراقبني، أو انضباط عسكري (زنبور) يسأل عن أوراقي الشخصية، ليتأكد من أني لم أكن هاربا من الحرب، الحرب؟ أي حرب؟ لقد أنهزم الجيش والضباط والقادة والجنود، بل أن القائد العام للقوات المسلحة كان أول الهاربين، مودعا أهل الأعظمية، واقفا على غطاء محرك سيارة مدنية كان يتنقل بها متخفيا، وعائلته –كما عرفنا فيما بعد- هربت من يوم 6 نيسان إلى خارج القصر الجمهور، ثم خارج العراق فيما بعد، لقد كنت أقف أنا وصديق لي على حافة نهر دجلة من جهة الرصافة، نشاهد هروب حماية صدام من السياج الخلفي للقصر الجمهوري، بالملابس الداخلية باتجاه النهر، كان هذا بيوم السادس من نيسان، أي حرب؟ لم يبق في المدينة سوى سؤال بمحجم الكون كله، ماذا بعد هذا؟
بعد جهد قلق ومضطرب، قلق واضطراب الأرصفة التي تقلني، وصلت إلى الفندقين، كان الجيش الأمريكي يحيط بالساحة هو وأسلاكه الشائكة، مانعا دخول أي شخص، إلى خدر الصحفيين من كل دول العالم، حاولت أن أقنع أحد الجنود بضرورة توجهي إلى (خيمة) قناة الجزيرة، رفض، شاهدت مظاهرات تندد بالوجود الأميركي في البلاد، كانت أحداها يقودها ممثل مسرحي مغمور، كان كثيرا ما يتناول صدام حسين بالقدح والذم، وكان يشاع عنه أنه عنصر من عناصر المخابرات العراقية مدسوسا بين طبقة المثقفين، لذلك كنّا نحاذر الحديث أمامه في الأمور التي تتعلق بشتم الرئيس ونظامه، ها هو الآن يسير ويهتف بحماس بــ (أمريكا كو آوت) وأنا منذهل مما أرى، أخفيت وجهي عنه كي لا يراني فيُحرج، شاهدت الكثير ممن يتملق للجنود الأمريكان كي يدخل، وفعلا نجحوا بالدخول، لا زلت أتخيل أن من دخل في ذلك اليوم إلى الفندقين، حيث كان يتواجد أضافة إلى صحفيي العالم، عدد من جنرالات الحرب الأمريكان، قد حصل على منصب لقيادة العراق الجديد، أضافة إلى اللذين قدموا من خارج العراق بياقاتهم البيضاء وجيوبهم الجائعة التي سرقت العراق وأحلامنا.
نجحت في رؤية باسم كلش من بعيد، ناديته بعلو صوتي، جاءني راكضا: "ها حمودي... حمد الله على السلامة" عانقنا بعض، شرحت له سبب مجيئي، ناولني الهاتف الثريا بكرم، أتصلت بأخي علي في رومانيا مطمئنا قلبه المترع بالخوف، بعد ذلك انزوينا أنا وكلش وتخيلنا مستقبل العراق، كنت متفائلا على حذر، أما باسم فقد قال لي بوجه حزين: "سيبدأ مسلسل كاتم الصوت فأحذر" كانت نبوءة تحسب له، والى اليوم كاتم الصوت هو صاحب الصوت الأعلى في بلدي العراق.
بعد أن أنهيت لقائي بصديقي باسم كلش، تمشيت لمسافة قريبة حيث سينما النصر، والتي كانت تعرض فيها مسرحية (شفت بعيني محد كلي) بطولة صديق العمر الفنان الكوميدي (عبد الرحمن المرشدي) لعلي ألتقي بأعضاء الفرقة هناك للاطمئنان عليهم، وفعلا، وجدت الجميع هناك، فتباركنا لبعض سقوط الدكتاتور، وتحمدنا الله لسلامة الجميع، إلّا ممثلة شابة مسكينة، قتلها زوج أختها وكان (وهابي) التدين، بعد سقوط النظام مباشرة لأنه كان يمنعها من التمثيل في المسرح وهي تأبى إلا أن تمثل، فأستغل الفوضى التي رافقت دخول قوات التحالف وقتلها بدم بارد، حزنا لها، وتأثرنا كثيرا، ثم جاء شاب وسيم وأنيق، لا يبدو من مظهره أي أشاره تدل على اضطراب عقل، أو جنون مخفي، سلم علينا: "وعليكم السلام" أعدنا تحيته منتظرين سؤاله، قال: "هل أنتم تمثلون في المسرح؟" قلنا له: "نعم، أي خدمة؟" هنا تردد الرجل، تلفت إلى جميع الجهات كأنه يحذر أن يسمعه أحد، كنّا أنا والفنان عبد الرحمن المرشدي ومجموعة أخرى من الفنانين والفنانات ممن يمثلون في المسرحية، وهم معروفون في المجتمع العراقي، هنا أستجمع الشاب شجاعته وقال: "أنصحكم أن تتوبوا إلى الله وتتركوا التمثيل" سأله المرشدي: "ها خوية، ليش؟" قال: "لان هذا حرام". باغته المرشدي: "ومن أنت لتحلل وتحرم الأشياء بكيفك؟" قال الرجل بهدوء عجيب: "أنا المهدي المنتظر" أنفجر الجميع بالضحك إلا أنا، الذي سارعت باحتضانه، وقد لمته لتأخره عن الظهور كل هذه القرون، وقد مثلت دوري بإتقان، فكان أن أندهش الرجل، وأنسحب ببرود أيضا وهو يهزّ يده ساخرا منّا، ضحكنا كثيرا لندرة الموقف، عندما عدت إلى البيت ليلا، وأنا أسمع أخبار "الفرهود" المستمر منذ عدة أيام، تذكرت الرجل المتوهم بنفسه مهدي زمان الفوضى هذا، عندها أدركت أن الدين هو من سيحكم هذا البلد، فكان ما كان.



x

الثلاثاء، 9 أبريل 2019

(ماذا حصل في 9 نيسان وبعده) الجزء الأول


لم أفكر للحظة واحدة، بترك بيتي، وأخذ عائلتي والهروب منه، لكن الذي حصل، أن صدام أمر بتوزيع صواريخ سام المضادة للطائرات، بين البيوت السكنية، حتى لا تقوم الطائرات الأمريكية بقصفها، وإذا فعلتْ، فستكون جريمة حرب، سيستغلها إعلام صدام لصالحه، هكذا أستخدم صدام شعبه "كدروع بشرية" رغما عنه، وحدث أن توقف صاروخ طويل جدا، مقابل بيتنا الذي كان على الشارع العام، قالوا هذا صاروخ (سام) كان هذا ربما في اليوم الخامس من نيسان 2003، كان مع الصاروخ الذي تحمله عجلة عملاقة خاصة، عجلة أخرى تحمل الوقود، وثانية ربما التي تستعمل لتشغيله، وكان ضابط برتبة نقيب أو رائد على ما أذكر يقود القوة المرافقة للصاروخ، كان خائفا ومرتبكا، لأنه يعرف إذا أطلق صاروخه فانة لن يصيب الطائرات الأمريكية المتطورة، وأن الطيار سيعود ويضرب المكان الذي أنطلق منه الصاروخ، كان الصاروخ لا يبعد عن بيتنا سوى عشرة أمتار فقط، تمشيت إليه وسألته:
"خوية إذا أجتني طيارة أمريكية تضربها؟"
 أجابني بحذر:
"نعم، لدي أوامر بذلك"
قلت له:
"لكن هذا لا يفيد"
قال:
"أعرف ولكنها الأوامر".
شعرت بقلق كبير على أسرتي، بالمصادفة توقفت سيارة (واز) مدنية، وترجل منها صديق للعائلة –توفي قبل أيام رحمه الله- وكان من سكنة بعقوبة، وطلب منّا أن نرافقه إلى منزل قريبٍ له، يسكن في بعقوبة، لنختبئ هناك، شعرت بخوف كبير على مصير سيء يهدد العائلة، حملت عائلتي وتوجهت إلى بعقوبة، بقيت أمي رحمها الله وأخي صفاء في البيت.
في بعقوبة سكنّتُ عند أسرة لا أعرفها، كانت المدينة الجميلة تعج بأهل بغداد من الهاربين مثلي من شبح الحرب القاتل، أذكر أني في اليوم التالي زرت صديقي الكاتب الفيلسوف والروائي التائه، خضير ميري رحمه الله، للاطمئنان عليه، وكان يسكن في قرية صغيرة على طريق الخالص عند بيت شقيقه، وقد وصلت إليه بشق الأنفس بسبب ندرة وسائل المواصلات، وقضيت معه نهارا قلقا، فخضير كائن من قلق وجنون معلّب بالعقل، عدت إلى البيت، البيت الكريم الذي لا أعرف صاحبه، والذي كان وزوجته مع أسرتي، في منتهى الكرم العراقي الأصيل.
في ليلة الثامن من نيسان كنت أراقب قناة العالم الإيرانية، وكانت هذه الوحيدة التي يستطيع هوائي التلفزيون التقاطها، كان مذيع النشرة اسمه (فؤاد) على ما أذكر وأعتقد فلسطيني الجنسية، في غاية الحزن والتأثر وهو ينقل التفاصيل الأخيرة لاجتياح بغداد، يومها التقى بالنائب اليوم، المعارض سابقا، السيد فائق الشيخ علي، والذي كان ربما في الكويت، وقال له فائق: "لماذا أنت حزين؟ بيتنا ونلعب بيه شلها غرض بينا الناس؟".
في نهار اليوم التالي سقط التمثال في ساحة الفردوس، خرجت إلى الشارع أبحث عن سيارة تقلني وعائلتي إلى بغداد، كنت في غاية الشوق والخوف والفرح والترقب، مشاعر تتضارب فيما بينها، توجع القلب والروح، كنت خائفا على أمي وأخي، ليست هنالك من وسيلة للاتصال بهما لتأكيد سلامتهما من "الموت بالصدفة" الذي يرافق حرب المدن، كان الشارع ضاجا باللصوص الذين يحملون المسروقات من دوائر الدولة في شاحنات وكان الأهالي من مدينة بعقوبة يرجمون أرتال اللصوص بالحجارة، مشهد لا أنساه أبدا، بعد قليل، جاءت سيارة الــ (واز) الروسية العتيقة، يقودها فاضل، رحمه الله فأعادنا إلى بغداد، في الطريق، شاهدت قوات المارينز تملأ الشوارع وتقاطعات الطرق، كان منظرهم أول مرة "قبل اعتياد رؤيتهم" وكأنهم هبطوا من الفضاء، كانت هكذا توحي أزياءهم، كذلك الحذر البائن في عيونهم وهم يشهرون البنادق بوجه الناس.
وصلت إلى البيت، وعرفت أن الضابط المسكين، الموكل بمهمة أطلاق صاروخ (سام)، قد أطلق الصاروخ، وأن البيوت القريبة منه، ومنها بيتنا، اهتزت كما لو أن القيامة قامت فيها، فما كان من أخي صفاء سوى أن يأخذ أمي بسيارته ويهرب بها لمسافة واحد كيلو متر، خوفا من رد فعل الطيار الأمريكي، الذي بالتأكيد لم يصبه الصاروخ، والذي حامَ حول منصة الصاروخ عدة مرات، والله هداه، فلم يقصف المنصة، وعرفت أن أهل المنطقة ضربوا الضابط وأعتدوا عليه حتى أنه بكى ثم هرب ومن معه.
عرفت عند عودتي أن الزميل السيناريست علي صبري، كاتب المسلسل العراقي الشهير (مناوي باشا) قد جاء إلى بيتي وقضى يوما فيه مع أخي صفاء قبل سفره إلى أهله في البصرة، فقد كان يسكن شقق الصالحة التي كانت مهددة بالقصف.
ليلا جلست عند باب البيت أنظر إلى الشارع الفارغ إلا من اللصوص الذين افترسوا مشروعا عمرانيا قريبا من داري وبدأوا بسرقة أطنان الحديد التي فيه، كذلك مرور لصوص صغار يحملون الكراسي والطاولات من الدوائر القريبة من بيتي، كنت سعيدا لهزيمة نظام دكتاتوري، لكني لم أعرف أن الثمن سيكون قاسيا لهذه الدرجة، إلا عندما قرأت بعد أيام ما حصل لألمانيا بعد هزيمة هتلر ولليابان بعد كارثتي هيروشيما وناكا زاكي، كذلك في يوغسلافيا والبوسنة والهرسك وحتى بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، فأدركت أن ما بعد هزيمة الدكتاتور، تدفع الشعوب ثمنا باهضا لكن إلى حين، بعدها يحصل الاستقرار ويخرج جيل لا يتذكر من الماضي سوى هوامشا نرويها نحن في كتاباتنا، يأخذ منها العبر، ليبني على أنقاضنا، وطنا حرا وآمنا.
الآن، هل ولد هذا الجيل في العراق اليوم؟
أقول... ليس بعد.
سلامة يا وطن، سلامة يا شعب العراق الغائر في الضيم والحزن الأبدي، لا زال طريق الحرية طويلا ولكني أرى أفقه البعيد.


الأربعاء، 26 أغسطس 2015

ماذا لو... بيت لكل جندي عراقي


الجندي العراقي، يقاتل نيابة عن العالم، قوى الإرهاب الدولية، التي تريد العودة بالتأريخ الى الوراء، ففي حين، العالم يكتشف كواكبا جديدة تشبه الارض في بيئتها، قد تصلح مكانا للعيش، داعش –رمز الارهاب الجديد- تفكر بمنطق الجزية التي يدفعها الآخر "عن يد وهم صاغرون". وحده الجندي العراقي، ابن الملحة، ابن أم عصابة، ابو خليل او ماشئت من الاسماء المحببة التي يطلقها عليه الشعب، يقاتل بمرتب قدره أقل من الف دولار!! أليس هذا بعجيب، والكارثة انه اذا ما أستشهد، او تعوق، يُنسى كأنه لم يكن يوما ما، جدارا يصد عنا الموت.
قال لي احد الجنود الفارين متسائلا بألم: استاذ احنا ألمن نروح نقاتل ونموت؟ حتى غيرنا يلعب بالمناصب؟ حتى ولد المسؤولين يتونسون في دول اروبا؟. سكتُ، انه يتكلم صدقا وألما، الداعشي يأتي محملا بفكر يشجعه على الموت، لانه –حسب ظنه- سيتغدى مع النبي، وايضا، سينكح ما شاء من الكواعب اترابا، لماذا يقاتل الجندي العراقي؟ لا شيء، لا مرتب جيد يبني به حياته ويشجعه على المضي قدما، ولا راحة لأهله من بعد موته. ستقولون والوطن؟ أقول لكم، اي وطن، وطن السنة ام الشيعة؟ لنكن صريحين بدرجة كافية من الشجاعة، لقد تلاشى الشعور بالوطن منذ اكثر من ثلاثين عاما، عندما اصبح الوجود في هذا الوطن، يعني حروبا عبثية وحصارات لا علاقة بالشعب بها، بل هو –الشعب- أول المتظررين منها، اي وطن، وهو يباع في مزادات الفساد والخيانات والتبعيات والموت المجاني الذي يتجول في شوارعه، حاصدا ارواح الشباب وهو يصفّر غير عابها بنواح الامهات والزوجات المترملات بعمر الورد؟ اعتقد اننا يجب ان نمنح الجندي العراقي –غير التقدير الكبير- منحة ما، تجعله يقاتل من اجلها كما لو كانت، جنة تشبه جنة الوهم التي تسيطر على العقل الداعشي، لكنها جنة حقيقية.
يموت العراقي ولا بيت له، الا اذا ورثه، او فسد في وظيفة، او تشاطر في تجارة، البيت في العراق حلم لن يستطيع اليه سبيلا الا ذو حظ عظيم، كان صدام حسين يدرك هذه الحقيقة، فكان يمنح قطع الاراضي الى الموظفين ومعها منحة المصرف العراقي، يبني الموظف بيته ربما بعشر سنين، ويسدد من مرتبه، عبد الكريم قاسم من قبله، لا يزال خالد الذكر في بغداد على الاقل، لأنه ببساطة، منح الفقراء بيوتا صغيرة، ومنح الضباط منازلا كبيرة في زيونة والضباط واليرموك، وقد مات المسكين وهو لا يملك بيته الخاص.
يدافع الجندي عن وطنه، من لا بيت له، لا وطن له، علامَ يدافع ابن ام عصابة؟ لا شيء سوى مبلغ من المال يستلمه في آخر شهر المراوغة مع الموت، مليون وفوقه كم الف، وماذا بعد؟ عطش وسماء كاوية، وصحراء حارقة، وعدو يقطع الرأس كما لو كان يدخن سيكارة. السؤال المهم، كيف نحافظ على الجندي ونمنعه من التسرب؟ دعونا نمنحه وطنا حقيقيا يدافع عنه، وطن صغير، شعبه، هُمْ أهل الجندي نفسه، امه وابيه وزوجته وأطفاله، دعونا نمنحه منزلا حقيقيا، لكن كيف؟ دعونا نحلم:
ماذا لو استحدثنا في كل محافظة، حيا سكنيا بأسم حي الابطال (لاحظوا رمزية التسمية)، قطع اراضي بواقع 150 مترا توزع على كل جندي يقاتل او قاتل الارهاب لأكثر من ستة أشهر، ومعهم طبعا، الشهداء والجرحى؟ هذا لن يكلف الدولة سوى بعض التخطيط والتنسيق مع الدوائر ذات الصلة، ماذا بعد؟ انتشر في العراق، البناء الحديث، ما يعرف بالبناء الجاهز، ان كلفة بيت صغير يكفي عائلة متوسطة، لا يتجاوز 20-30 مليون دينار عراقي تقدمها الدولة الى شركات البناء الحديث، في شهر واحد، تستطيع هذه الشركات اكمال البيت، ويتم استقطاع مبلغ وقدره (الف) دينار عراقي شهريا من الجندي –أقل من دولار- على ان يبقى مستمرا في الخدمة، فإذا انقطع او هرب، يصادر البيت. هل هذا صعب التنفيذ؟ لا طبعا، في حسابات الدول، يبدو الأمر سهلا، كل ما نحتاج اليه، مقدارا من الوعي والاحساس بالمسؤولية الابوية لهذا الكائن الذي يفترش الصحراء ويتلحف السماء بين أزيز الرصاص الذي يعبث معه كل يوم.
متى نرى هذه الاحياء البطلة؟ اني أحلم.


الاثنين، 14 يوليو 2014

The Cart




The Cart

Hamed Almaliki

 

Translated into English by Alyaa A Naser




aracters:
HANOON:                  a middle-aged man, a graduate of the College of Arts.
FEDHEELAH:            His wife
BOUAZIZ:                  The Tunisian young man who set himself on fire in 2010.
TEACHER:

SERGEANT:             They are all enacted by the same actor.
POLITICIAN:
(An Iraqi house, a poor one; there is nothing but eroded walls, worn curtains, remains of some furniture and a TV that has nothing on except news about the events in Tunisia and Egypt, a revolution that is known as the Jasmine Revolution. To the corner of the stage, there is a wooden cart that is full of old wilted vegetables. The sense of poverty and need controls the space. HANOON enters, carrying a can of fuel (petrol or gasoline). He is a middle aged man in worn clothes.)
HANOON.                  (Shouting) Leave me alone, I said… You bitch, leave me or I’ll burn myself.
(His distressed wife, FEDHEELAH follows him, dragging four young children along, crying and screaming. They are their children.)
FEDHEELAH.            You, Hanoon, you’ve gone mad?!
HANOON.                  I said, leave me. Or I’ll divorce you[1].
FEDHEELAH.            Divorce me! And burn yourself. You loser, you’re drunk; drunk, and don’t know what you’re saying. Every night you get drunk and you become a monster. You should be ashamed of yourself. 
(HANOON takes notice of the word ‘drunk’ and looks for the table where the TV is and sees the bottle of alcohol that is empty and a few bits of salad in a small plate. He gets nearer to the table and holds the bottle.)
HANOON.                  (To himself) Oh, you son of a bitch, you finished the whole bottle!
FEDHEELAH.            (To her children) Stop crying you, too.
HANOON.                  Can you imagine, drank the whole bottle and I’m not drunk yet! (Gives a loud cry of anger.)
FEDHEELAH.            And what do you think a drunk looks like? Your heart condition is really bad and the doctor warned you not to drink anymore: you’ll die in your sleep!
HANOON.                  You’re stupid. Do you think that whatever the doctor says is true? Then why didn’t he tell me not to push this cart in the street anymore!
(He starts pushing his cart around the stage crazily; the cart makes a loud, annoying squeaking noise while screaming hysterically.)
HANOON.                  (Loudly) And why didn’t he say, “Don’t push your cart again”!
FEDHEELAH.            Stop it, you idiot; do you want to make a scandal? There are people living nearby, you know!
(He pushes his wife away and pours the petrol on his head)
THE CHILDREN.       (Shouting together) Dad!
FEDHEELAH.            (Shouts) Oh, Dear lord… Help, the bloke’s gone mad!
HANOON.                  You bitch, leave me to burn myself peacefully.
(He tries to light a match and FEDHEELAH and the children cling to his clothes.)
THE CHILDREN.       Dad… Dad!
HANOON.                  You loser, leave me. This poverty has killed us all, long ago. We are a laughing stock to all. Leave me!
FEDHEELAH.            Watching news has taken your brain away, you drunk.
HANOON.                  (He is calm) Drunk! Don’t you know that even alcohol is banned now? Those who steal are very important and they put them on TV; and those who kill put on clean suits and the cameras take photos of them. But those who drink alcohol to forget about those who stole their living and who killed them are called drunks, and further they have banned it, so that they won’t forget… Yes, you loser, so that he won’t forget and stay afraid and hide in his wife’s lap… That is why, loser, I said leave me. Let me burn myself. Do you think that Bouazizi, or whatever his name is, is braver than me!
FEDHEELAH.            You crazy, you’ll burn yourself and burn us too. Go to sleep. You are drunk and you don’t know what you are doing. Oh, dear Lord… what’s happening to us?
(HANOON falls to the ground, drunk. FEDHEELAH sleeps beside him so that she can prevent him from moving away.)
FEDHEELAH.            Go to sleep… oh dear, please have some rest… I beg you.
HANOON.                  I want to see the news.
FEDHEELAH.            Loser, leave the news now. Have some sleep and keep silent for a while. Oh dear, you smell like petrol. (In distress) Oh dear… it was only a few drops of petrol I borrowed from our neighbour to keep us warm… How can we get any more now, you loser!
HANOON.                  I want to watch the news. Al Jazeera, let’s see Al Jazeera… No this one wasn’t fair with us… Al Arabia, yes, let me watch Al Arabia, oh no… since this beautiful reporter[2] was killed I stopped watching it. Alhurra… let’s watch Alhurra… Oh no, they say it’s American and I don’t want anything that’s American, what America has given or taken for me!
FEDHEELAH.            Oh, why don’t you stop mumbling and try to sleep. You have lots of work tomorrow, pushing this cart of vegetables that you couldn’t sell today. It’s withered, so you might end up throwing it all in the bin. From where can we get money to buy other vegetables? Can alcohol help with that?!
(While FEDHEELAH is still murmuring about their miseries, HANOON is fast asleep and snoring.)
FEDHEELAH.            Ha… you are asleep now? You may never wake up again. What a distress you are! He wishes to burn himself, as if we need more miseries! Don’t you have mercy for yourself or for us? Why didn’t you steal like everyone else did during the invasion; at least we would have a tent that might cover our heads if you had, and maybe it would have been better than this wet room that we can’t afford to rent. What a hell we are living in! Let me take the children and sleep on the roof, and you stay here by your bottle and the news. It’s just my luck!
(She pulls the children over and leaves the room. A few moments later, while the body of HANOON is still lying on the ground, he rises artistically, as if his soul is rising from his body and leaving it forever. He is dead. The soul, HANOON, follows his wife and children, talking in standard Arabic from this moment on in the rest for the play.)
HANOON.                  (After his wife) Fedheelah… Fedheelah, come here, please. My heart is beating so fast, I’m choking Fedheelah. Please!
(He turns around and sees his body lying on the ground, and is astonished.)
HANOON.                  Who are you? Who am I? It’s… me… I am Hanoon the owner of this cart. I lived ages pushing this cart through the roads of the city till my heart started to take its rhythm from the sound of the squeaking of its wheels. Can you cure me… and… and, till they banned me from drinking in case I… I… Who are you?
(HANOON tries to touch his body to make sure that he exists, and he starts moving around and in a stable manner, since he is not drunk anymore. He runs towards the dead body on the ground and tries to move it, turning it over. He stops and shouts.)
HANOON.                  Oh, dear God… this is… this is an illusion, madness… an excellent Iraqi madness… Oh, dear God, who is… and who… Fedheelah… Fedheelah…
(He runs towards the door of the room, tries to open it, but the door doesn’t open. He tries to knock loudly on the door.)
HANOON.                  Fedheelah, open the door, Fedheelah. The wheel of my heart has stopped squeaking. You are my beloved, darling? I am choking… choking… choking.
(He falls to the ground looking around in amazement, and he smells his clothes.)
HANOON.                  I remember that I wanted to imitate Mohamed Bouazizi; that’s why I poured petrol on myself that we borrowed from our neighbour, so that I could get rid of all the miseries in my life. Why can’t I smell the petrol now?
(He crawls slowly to the lying body on his hands and knees and smells the body, smelling the petrol.)
HANOON.                  Hey, you… return my petrol to me, at least the smell, oh, sons of bitches. It’s the country of petrol and we are begging for its smell. Return the smell, you son of a bitch. (Screams) Hey you, Fedheelah, your husband is dead. Your husband is dead, Hanoon is dead before he burnt himself, before he could make a tenth of his dreams come true; before he became old, sitting on the edge of the road and watching his grandsons playing in the road; before he sees a country that is empty of carts, carts, the cart… Oh the cart… the cart…
(He runs towards his cart and pushes it, but this time the wheels don’t make the squeaking noise heard previously. He pushes the cart a side strongly and starts praying.)
HANOON.                  Now I’m sure, Fedheelah, I am dead, and my cart is dead with me too. It has stopped whining too, Fedheelah. Oh, please, dear God, forgive me. I repent to thee. God is the greatest! God is the greatest! Here I am praying, I stand for the prayers and life can’t stand in my country that is measured by how much prayers there are and what kind of prayers. God is the greatest; God is the greatest. I bear witness that there is only One God. You are my God. Please don’t abandon us, we are the poor in the country of petrol. I bear witness that Mohammad is God’s messenger. How patient you are my lord with those thieves of my country who stole the holiness of it and wear masks that hide the knives with which they cut heads off using Your name, dear Lord. Come to prayers, and come to life, God is the greatest. He is bigger than anything, then why do those little ones start laughing at Hanoon while he is pushing his cart, passing through the roads while they pass by him in their luxurious cars! Oh dear… their four-wheel-drive cars and my cart that is a soul-drive. I used to push this cart with my soul so that I could go back to Fedheelah with a piece of bread for my children and some new used clothes and a bottle of alcohol for me to drink and forget the day that had just passed, when I passed by an explosion that didn’t catch me, not because I needed to go back to my lovers, but because destiny wanted to give me another chance in a life that is full of humiliation and misery and mottos of God. You, God, have nothing to do with that. You, Fedheelah, your Hanoon is dead, Your Hanoon is dead…
(FEDHEELAH enters the room, worried. HANOON looks at her, looking at her husband’s body.)
FEDHEELAH.            Damn you, since the first day we married and you snored like a car with a diesel military van. What has happened to you now? You are silent?! Hanoon! Hey you, Hanoon! Oh dear, help, the man isn’t answering. Hanoon! (She screams) Hanoon… You, Hanoon… Hanoon!
(She starts to push the body in the hope of making him move, screaming loudly. And when she is sure that he is dead, she starts weeping and slapping her face, chest and head. HANOON starts to imitate her slaps. It is a very sad scene.)
HANOON.                  Hey, you mad woman. I’m here by your side. Can’t you see me? I am slapping my face just like you. (Weeps) Oh…
FEDHEELAH.            Oh… Oh… Oh… Dear Hanoon, don’t leave me here… How can you leave me? For whom? Oh dear… what pain shall take me? Where shall I go of those sons of bitches. How can I raise your children? Hanoon don’t leave me. Don’t go! (She starts reciting some traditional Iraqi lines of sadness, hysterically slapping her face and chest out of shock.) Oh, Basra and Umara[3] are whining for you…
HANOON.                  You liar! Who would weep for a cart man? He lied all the years of his life, moving around the roads to show his goods. How could he buy a handful of life, lost between shelters and guns? Who would buy years that are scattered among the dreams of generals and broken hearts and…?
FEDHEELAH.            (Still weeping and slapping and reciting) We didn’t have the chance to see him and he didn’t see us, and we didn’t say good bye.
HANOON.                  Stop it, Fedheelah. Stop it. I didn’t die now. I was dead since I was born in this burning furnace. Oh, dear God… Lord… If I had known that you destined me to push this cart with vegetables and sweep the roads…
FEDHEELAH.            (She recites these hymns in a sweet, pained very sad voice, while HANOON listens with amazement.) He is generous and hospitable. His family and uncles are brave and protect him.
HANOON.                  Hospitable! How can I host anyone, Fedheelah? I have nothing except my goodness and stupidity. What a plate, that includes my goodness and stupidity. People around us philosophise misery and clap for those who rip away the doors of conscience and let the thieves of the night rob whatever chastity the soul has. Fedheelah what family and uncles would protect me? I used to knock on the doors of the family to see those old men singing for the murderers and waving their flags of hypocrisy when that president passes by them with his luxurious car and his cigar burns whatever is left of dreams, silly you! (He starts imitating the chiefs of the tribes in Iraq when they greet a visitor with traditional movements with their hands on their heads to hold their Iqual [headband] while FEDHEELAH still weeps and cries over his body, without taking any notice of HANOON, hallucinating alone with words of pain and suffering.)
HANOON.                  Fedheelah… Fedheelah. Take care of our children, please dear Fedheela.
(She screams loudly, which startle HANOON and makes him jump.)
HANOON.                  Damn you, woman!
(A few men enter, wearing the ‘chmagh’, a traditional head scarf for men in Iraq. they lift HANOON’s body on a flat log, saying, “There is no god but Allah, there is no god but Allah”, and others paying respect, “a dead person should be buried quickly”. FEDHEELAH screams and her children follow her, walking behind the tomb, crying. HANOON watches with astonishment. The stage is empty, except for HANOON.)
HANOON.                  They took me! Hey you, where are you taking me? What a philosopher you are! To pay respects to a dead man, they should bury him quickly. To pay respects to a dead man, you should ask why he died, after his death. What a philosopher you are, silly!
(HANOON sits on the ground.)
HANOON.                  They’ll bury me and throw tons of dust on me. As if all the dust that used to cover me while alive wasn’t enough. They’ll take me to a hall that will barely fit me. Slap your face Fedheelah, slap it. It’s the wife only who will be sad for losing me. She alone has the right to cry and weep. The mother will cry by instinct from her soul, as the son is part of her soul, while the wife would cry for the love of her life that is to be buried in the ground; a wing that used to protect her, a wing that will be broken by the hoes of the burial and throw dust on it; and the two angels will come and ask me; what they should ask me about? About the life that I spent before? I tell you…
(A teacher comes in, and a board descends from above in the background. The teacher wears a hat.)
HANOON.                  (Out of respect and to greet his teacher) Stand up!  (He stands.)
TEACHER.                 Dar, Daran, Door[4].                              [A house, two houses, many houses.]  
HANOON.                       Dar, Daran, Door.
TEACHER.                 What does the word ‘house’ mean?
HANOON.                  A home.
TEACHER.                 Shut up, a house… is a… house, like the one belonging to your damn parents, for example!
HANOON.                  Teacher… The house is a home. And if I don’t have a house then I have no home! And if the house that we live in is rented, then that means that our home is rented.
TEACHER.                 Hush you, behind this board there are ears listening. Come here and write, Hanoon!
(HANOON stands, imitating a first year child, and the TEACHER walks around him with a stick in his hand, reciting a sentence which HANOON tries to write down.)
TEACHER.                 Contentment is an everlasting treasure.        [Well-known Arabic proverb]
(HANOON writes the sentence, and revolts angrily.)
HANOON.                  How can that be, sir? How? It’s a lie, a lie. They want to convince us with this rubbish that they call life, and they should own these luxurious cars and fancy palaces and perfumes and have the dancers during the nights for their hungry lips. They have everything and for us there is only poverty and we should be content, as it is our everlasting treasure. How can that be, teacher?
TEACHER.                 Shush you, just below your seat there are eyes watching you, boy. And success is for those who work hard…        [Another Arabic proverb.]
(HANOON writes ‘success for those who work hard’ and thinks of the phrase and starts laughing.)
TEACHER.                 Why are you laughing, Hanoon?
HANOON.                  Is there a governmental order that laughter is banned, teacher? This phrase makes me laugh, teacher. Success is not for those who work hard. It is for those who have good luck, and Hanoon has lived his whole life without any luck. And what luck can there be for a man who was born before a war and lived through a war and grew up in a war, as if he was fed on blood and gunpowder with his mother’s milk. He listens to his mother’s bed time songs alone with the sounds of bombs visiting his town to cut down trees and lives and the planet, these black signs of death on the walls[5]. And he dies in a war that he couldn’t understand anything of, except its last scene. A general and a gibbet and a silence as silent as graves. What luck there is when man’s steps are just for others to pass on, teacher! They told us we wouldn’t grow old, and here you are, very old!
(The TEACHER starts to walk like an elderly man with a bent back and a stick that he uses as a cane.)
HANOON.                  Yes, you are old, teacher, and the monthly salary is not enough anymore. And you are still as you used to be, so scared of the ears that are listening and the eyes beneath the desks till the day when they came to your class and arrested you.
(Four men come with civilian outfits and guns pointed at the TEACHER’s head, and drag the TEACHER out.)
HANOON.                  They said that you were killed and buried and they found a mass grave with your body in. They found your bones, and they recognized you from your hat and then buried you with respect. And everything was over then. I think they called a street after your name, or at least a school. They used the name of the holy figures on streets and schools and they forgot about those who died because of these holy figures, and we replaced Allawi with Ellawi[6].
(A new TEACHER comes in. This time he walks with dignity, carrying the stick and hitting his palm in a sign of hidden anger. HANOON doesn’t notice him.)
HANOON.                  What are the two angels going to ask me?
(He sees the teacher and becomes happy.)
HANOON.                  Teacher!
(The TEACHER grabs his own suit and tears it to reveal a military uniform with the rank of a sergeant. He turns his hat over to make it like a military beret and acts like a sergeant.)
SERGEANT.               (Commands) Get ready.
HANOON.                  (Ready) Long live the Ba’th.
SERGEANT.               Rest.
HANOON.                  (At rest) Long live the leader.
SERGEANT.               Hanoon, get ready.
HANOON.                  (Ready) Long live the Ba’th.
SERGEANT.               Hanoon! To the left; move!
HANOON.                  (Marching to the left, chanting) Allah, Home, Leader, Allah, Home, Leader. We didn’t keep our God, we couldn’t protect our home and we couldn’t take off our leader. What a bunch of liars we are! Allah, Home and Leader[7]
SERGEANT.               Hanoon… Stop. (HANOON stops)
SERGEANT.               Weapons aside!
(HANOON looks around to search for a weapon to carry out the order.)
HANOON.                  I have no weapon, my sergeant. We don’t have any other weapons except for the one that’s not working (his words carry a sexual connotation). May God help you, Fedheelah. (He laughs.)
SERGEANT.               Hanoon. Don’t laugh or you shall be punished.
HANOON.                  Punished, my sergeant? Throw me in a hole of mud, for example! How dare you, sergeant! I am a graduate, sergeant; a graduate with a bachelor, for God’s sake!
SERGEANT.               Bachelor… before you, I used to have a soldier with Haemorrhoids and I made him sit on a huge hot rock. What is a bachelor, then?
HANOON.                  A Bachelor is an academic degree and not a disease, I’m a graduate, can’t you understand? A graduate!
SERGEANT.               Oh, yeah. Listen to me, whether a graduate or not, you all eat dirt, so sit down.
(HANOON sits on the ground and the SERGEANT starts walking towards him with pride, wielding his stick and starting to teach him how to fight.)
SERGEANT.               I’ll teach you, the arts of war, Hanoon.
HANOON.                  Does war have arts, sergeant?
SERGEANT.               Yes, Hanoon, in order to win!
HANOON.                  There is only one winner in war, sergeant, and that is death! Death is victorious at the very end. It chews up the lives of young men and drinks their blood as a toast to destruction and the fallen roses that were cut before their time. The winner in war, sergeant, is a taxi driver who carries a tomb over his car; a tomb wrapped with national foil, I mean the flag. And the mothers, oh the poor dear mothers, who look through their windows. Each one starts to pray deeply that the cab won’t stop at her doorstep. It doesn’t matter if it stopped at her neighbour’s door, or any other door, except hers. The winner is the coffin-maker and grave-digger. Everybody might win the war, except the soldier, as he is a death certificate walking on its feet.
SERGEANT.                When the enemy attacks, you have to be sure that he is going to kill you. If you don’t kill him first, he’ll kill you.
HANOON.                  Just like me, there is an obsessed general just behind him, shouting at him, ‘defend your home’… He actually means ‘defend my throne’. Sons of bitches, they mock us.
SERGEANT.               Hanoon, you have to die for your home.
HANOON.                  And why can’t I live for my home?
SERGEANT.               You should die for the sake of God.
HANOON.                  And does God need my death for him to be worshipped?
SERGEANT.               You have a long tongue, Hanoon!
HANOON.                  Because it is trained to shine the military boots of you and your general, so that you can both be happy with my discipline. Sergeant, take me to war.
SERGEANT.               (Commanding) Hanoon, be ready.
HANOON.                  (Stands ready) Long live the Ba’th.
SERGEANT.               Hanoon, to war, march.
(The SERGEANT starts his military march before HANOON and HANOON follows similarly.)
SERGEANT.               (Chanting) We are walking, walking to war…[8] as a lover who is defending his beloved…
HANOON.                  This is a lie, Sergeant… I am afraid.
SERGEANT.               (Continues singing) His beloved… beloved and we are marching to war…
HANOON.                  My beloved will ride the car; my officer would drive his fancy car by the universities, where my beloved is, and hang his military jacket on the back seat, showing his military rank to impress my beloved…
SERGEANT.               (Still singing) This is the Iraqi…Iraqi… Iraqi… When he loves, he dies defending his beloved, so that no one can touch her, and here we are marching off to war…
HANOON.                  My beloved does not love soldiers… They are projects of death that are delayed … Stop it! Enough! I said enough, Sergeant.
(The SERGEANT leaves the stage and HANOON is alone again.)
                                    You two angels of death, do you want me to finish the story? After the war, there was another war. My age couldn’t take any more insults from sergeants and officers. They said that my expiry date had passed, and wars love young men only. I made my cart and I hung my bachelor certificate on the wall of the toilet so that when I shit, I shit with honour. I pushed my cart and with it I pushed all my disappointment and my dignity and what was left of my age through these cold roads. And the war was over, and we had new teachers.
(A POLITICIAN enters. Of course, he is the same person who played the TEACHER and the SERGEANT, but this time he is wearing a fine suit and carrying an elections fund.)
HANOON.                  This time the teacher doesn’t carry a stick, but a box, a transparent box. We are to put pieces of paper in it.
POLITICIAN. Good evening, Hanoon.
HANOON.                  You seem nice, teacher. Good evening.
POLITICIAN. Do you know me?
HANOON.                  You look like many people I’ve met in my life. They used to carry sticks; this is the difference between you and them.
POLITICIAN. I carry something else. It’s… it’s a box.
HANOON.                  A box?
POLITICIAN. Yes, a box, locked, with a small opening at the top.
HANOON.                  I hate the word ‘opening’, it reminds me of piles, and the sergeant would punish those with a Bachelor or piles, teacher. What’s inside that box?
POLITICIAN. A game.
HANOON.                  A game?
POLITICIAN. Yes, a game. We are going to play it together, you and me.
HANOON.                  A game! What’s it called?
POLITICIAN. You can call it whatever you like.
HANOON.                  Whatever you like? I haven’t heard of such a game before. Whatever you like?
POLITICIAN.             (Laughs) That’s why we came for you. You are ignorant; we are going to educate you.
HANOON.                  Educate us! How?
POLITICIAN. With this game.
HANOON.                  A game that is called ‘whatever you like’?
POLITICIAN. (Laughs) Yes, whatever you like.
HANOON.                  What are the rules of the game?
POLITICIAN.             The rules are very easy, you just need to put a piece of paper inside the box.
HANOON.                  Paper?
POLITICIAN.             Yes, paper; just like that. (He takes a piece of paper out of his pocket and insert it inside the box.)
HANOON.                  Yes. And what happens after that?
POLITICIAN. I rule. 
HANOON.                  I put the paper inside the box, and you rule?
POLITICIAN. Yes.
HANOON.                  Why?
POLITICIAN. Just like that.
HANOON.                  I didn’t get it.
POLITICIAN. I… represent you.
HANOON.                  Where?
POLITICIAN. In the parliament.
HANOON.                  Why you?
POLITICIAN. Because I am a politician.
HANOON.                  And I am a jackass!
POLITICIAN.             Almost. (Quickly realizes what he just said) No… No… You are a citizen.
HANOON.                  And you?
POLITICIAN. I am a politician, I’ll teach you.
HANOON.                  So you are a teacher; but you don’t look like my teacher, who was buried in a mass grave. And you don’t look like my other teacher, that poor sergeant who ended up killed in the war and became a martyr. You are teaching me something else.
POLITICIAN.             Yes. I am teaching you a game. You elect me because I give speeches on TV and talk about politics. I’ll teach you democracy and freedom and human rights and you point me on this paper, like that, and I will work for your service.
HANOON.                  What if you make a mistake?
POLITICIAN.             I’ll let you demonstrate in Freedom Square in the middle of the city and you’ll say whatever you like, even if you insult me.
HANOON.                  (Surprised) Really?
POLITICIAN. Yes, really.
HANOON.                  Give me that paper. You are the teacher I used to look for, for such a long time.  (The POLITICIAN gives HANOON a paper and a pen.) What’s your name?
POLITICIAN. Whatever you like.
(HANOON remembers something and he looks for his cart.)
HANOON.                  What about this?
POLITICIAN. What about it?
HANOON.                  I inherited it from those who were before you.
POLITICIAN.             The age of carts is over, I’ll replace it with a car; refrigerated trucks so that you can sell vegetables as in Europe. 
HANOON.                  And my house, it’s rented… I don’t want to live in a rented home anymore.
POLITICIAN.             I’ll build you a new flat: modern, one hundred percent, and the gas will come to you through pipes, as well as petrol.
HANOON.                  So we’ll drink petrol then, instead of water?
POLITICIAN.             Yes. I’ll make petrol comes to your house as water, and even the internet, you’ll have all that at your house.
HANOON.                  Internet? Is that a cure for piles?
POLITICIAN.             (Laughs) Ignorant. I know this is because of ignorance, but it’s not your fault. It’s the fault of those who were before us, Hanoon. Write my name.
HANOON.                  (Writes) Whatever-you-like…. I elect Mr Whatever-you-like…
POLITICIAN. Put it in the box.
HANOON.                  (Puts the paper in the box) The game starts now.
(Voices of sirens of security cars and bodyguards shouting ‘stay back, you, stay back idiot, stay away.)
HANOON.                  What’s this? What are these sounds?
POLITICIAN. This is my procession. Bye now, Hanoon!
(The POLITICIAN leaves and HANOON sits down.)
HANOON.                  Gone with the wind, and me and my cart remain. My house is damper and its rent has risen steeply and my friend, whose name is Whatever-you-like, disappeared behind the green walls and I decided to play the game till the end. I went to Freedom Square and screamed at the top of my voice.  (He raises the Iraqi flag in the middle of the stage as if in the square.)
HANOON.                  You, teacher… master… Whatever-you-like… where are you? (The sounds of the sirens are very loud along with the sounds of many fast security cars running around.)
HANOON.                  Come here. I want to… I want to ask you. Where is my refrigerated trunk? Where is my modern flat? I don’t want to drink the petrol; I just want a small amount, so that I can keep my children warm in winter. Take all the petrol and give me what keeps me and my family warm in winter.
(The sound of the POLITICIAN’s procession is heard.)
HANOON.                 Mr Whatever-you-like. I signed a contract with you and put it in the box, do you remember? Why don’t you answer me? (An explosion is heard.)
HANOON.                 Mr Whatever-you-like is dead. A bomb exploded in his way and they say that he left a huge fortune that can cover a whole country. He didn’t remain, any more than the home. What are you going to judge me on, angels of death?
(FEDHEELAH enters. As a poor Iraqi widow, she is dressed in black clothes, followed by her four children with worn clothes. She starts lamenting her luck and her dead husband who left her alone and confused about how to raise her children. HANOON looks at her with very sad eyes.)
FEDHEELAH.            Hanoon, please come to my aid, my legs are unable to carry me, Hanoon. Why did you have to leave me, Hanoon, my dear? What did you think of leaving me with your children all alone for? Today I went somewhere I never knew and I met a very important man, I think he is Whatever-you-like. Yes, this is what they called him, Master Whatever-you-like, the servant of the people. I said, “Master, I am Hanoon’s wife. Hanoon spent his life pushing a vegetable cart to sell to the people. Hanoon was a servant of the people. He used to give food to the people. He brought them food”. He said, “Hanoon was executed!” And I said, “Yes, he was executed. Since he was born he was executed!”
HANOON.                  And what did he say?
FEDHEELAH.            He said, “Let me see his photo.” And I showed him your dear photo. He said, “Yes, I know him, he used to be my mate”.
HANOON.                  (With joy) And?
FEDHEELAH.            And I said to myself, how this man could be Hanoon’s mate? This is a very important man, and the drunk Hanoon is a vegetable-seller on the roads!  
HANOON.                  No darling, he knows me, we had an agreement.
FEDHEELAH.            I said, oh dear God, maybe he thinks he knows Hanoon. Then I would have some help. The important man asked me to wait. And I waited for an hour, two, then three. The working hours were over and all the people left work and went home and that Whatever-you-like didn’t come back. The policeman at the door of the green wall asked me what I was waiting for and I said, “The master”. He said that the master had been executed. I said, “No, how can that be, I just saw him?” The man said, “The master[9] and his father and his brother, they were all executed. They are gone.” I said, “No, I just saw him; they call him Whatever-you-like.” The police man laughed and said, “Oh, you mean Al Haji[10]?” I said, “His name is Whatever-you-like?” He said, “Yes, Haji Whatever-you-like, what do you want from him?” I said, “I was hoping that he might help me get the social insurance money to support my children. My children are orphans and my husband Hanoon used to fight for this country, and sell vegetables and he never begged for anything that is not his right.” He said, “Ok.” He said, “You, Hanoon’s wife; why don’t you go home?” I asked, “Why?” He said, “The Haji himself is living off the pension of the social insurance from Europe and you want him to give the same to you? Go home! He left the building through the back door of the ministry.”
HANOON.                  Mr Whatever-you-like has died, darling.
FEDHEELAH.            And I couldn’t do anything; that’s why I came back. What shall I do, my love? Can’t you come back just to tell me how I can live without you, what I’m going to do with your children?
(She starts weeping and crying again. HANOON starts crying again with her. A young man enters from the door. He is  MOHAMED BOUAZIZI, the Tunisian man.)  
BOUAZIZI.                 Hello.
HANOON.                  Hello.
BOUAZIZI.                 Mr Hanoon!
HANOON.                  Who are you? I think I’ve seen you before!
BOUAZIZI.                 The whole world knows me. Haven’t you seen me on TV?
HANOON.                  I am sorry I don’t watch anything on TV except for the news. It is my favourite salad with drinks. Have you ever seen an idiot like me who drinks alcohol with the news for his salad?
BOUAZIZI.                 That’s weird! All men get drunk listening to songs of Om Kelthoom or Abdulwehab, or Olaia… Haven’t you heard about Olaia?
HANOON.                  Oh yes, she is the Tunisian lady who sings this song when she regrets her life.
BOUAZIZI.                 Yes, I am from the same country as this singer. I’m a Tunisian.
HANOON.                  Yes… Yes… You are the one who set himself on fire to…
BOUAZIZI.                 Yes… Yes, I am.
HANOON.                  I saw you during my salad… Sorry, I mean in the news.
BOUAZIZI.                 I like your choices, what kind of salad do you prefer?
HANOON.                  Al Jazeera sometimes, one plate of Al Jazeera with half a bottle of alcohol would be enough for me. But sometimes it gets boring so I change the plate. Al Hurra is good, but it is full of fat, and I’m already suffering from high cholesterol, that’s why I changed it to Al Arabia. Al Arabia sometimes becomes so cold and tasteless, but that’s only sometimes, that is why I have no other choice except for Al Iraqia. (He laughs.)
BOUAZIZI.                 Why are you laughing?
HANOON.                  Al Iraqia is unfermented, tasteless!
BOUAZIZI.                 Unfermented? You mean just like bread?
HANOON.                  (Painfully) We wanted Iraq to be a piece of bread. They gave us bread that is kneaded with blood and what is left of our young men were scattered on the pavement under the title of Jihad and false mottos.
BOUAZIZI.                 How is Iraq today? I am worried about it, I am afraid that Tunis will be like Iraq.
HANOON.                  Iraq, my friend, became whatever you like.
BOUAZIZI.                 What?
HANOON.                  You can say about it whatever you like, and I will believe you. All I know is that I used to have a vegetable cart to sell vegetables from. And today I have a cart but nobody is pushing it.
BOUAZIZI.                 Me too. I used to have a vegetable cart.
HANOON.                  I know.
BOUAZIZI.                 And I’m a graduate.
HANOON.                  Me too.
BOUAZIZI.                 And a policewoman slapped me because they confiscated my cart.
HANOON.                  Go to Freedom Square in Tunis and shout and ask for your cart. These are the rules of the game.
BOUAZIZI.                 Even though I’ve shouted for the whole of my life, nobody cares. Only… they say that your country is democratic and it will allow me to shout.
HANOON.                  These are the rules of the game of Whatever-you-like. Mr Whatever-you-like steals you and locks you outside the green walls and you shout for the whole of your life.
BOUAZIZI.                 That’s why I burned myself, I wanted to change the shouts into a revolution.
HANOON.                  (Quietly) And what did you gain, idiot!
BOUAZIZI.                 Pardon, I didn’t get that!
HANOON.                  What do you want from me, sir?
BOUAZIZI.                 They told me that an Iraqi man wanted to burn himself and died of a heart attack, and I came to meet him.
HANOON.                  I didn’t want to burn myself for my country. I just felt that I was a pile of rubbish whose blood circulated on powerful orders and I decided to burn myself to make the world cleaner and to get rid of the smell of my dirty pain. If you can keep a secret, I was drunk; if I was aware of what I was doing, I would have taken a corner of my house just like my whole life, waiting for salvation and the end of my days.
BOUAZIZI.                 Too bad, I thought that you were rebellious, like me!
HANOON.                  I have been rebelling for most of my life. The result was waiting and failure and a rented house.
BOUAZIZI.                 Then you should have burned yourself, since you came to this world.
HANOON.                  You’re absolutely right… but they used to prevent us even from burning ourselves.
BOUAZIZI.                 And today?
HANOON.                  We can’t find the petrol to burn ourselves. And if I found it as you did, nobody would listen to the pain of your tortured soul in the middle of many souls, flying to the sky every day, burned or cut and exploded into pieces. Their only fault is that they were at this place at this very moment looking for a living.
BOUAZIZI.                 What about your wife and children?
HANOON.                  Just like everybody else, they are waiting for the wrong moment, in the wrong place.
BOUAZIZI.                 What about your Bin Ali?
HANOON.                  We have many Bin Alis here; they are biting into what is left in this country, except for one son of Ali who bled on this land hundreds of years ago and people are still crying for him… Nothing is left here except crying… I am afraid that they will divide crying among us as shares, so that their game will be straight till the end. Bouazizi, take me with you…
BOUAZIZI.                 Where?
HANOON.                  I don’t know… Anywhere. Take me… take me to wherever you like?
BOUAZIZI.                 Come…  (BOUAZIZI drags HANOON by the hand and HANOON looks at his wife and children behind him.)
HANOON.                  Fedheelah… don’t stop the squeaking of the cart.
(FEDHEELAH looks up, as if hearing HANOON’s voice. HANOON and BOUAZIZI leave the stage and FEDHEELAH stands up, she wraps herself with her Abya around her waist with a belt of cloth and she holds the cart and starts pushing it around. We start hearing the squeaking of the cart again.)
FEDHEELAH.            (Calls) Here you are; your best vegetables… vegetables… Where are you, people? I have the best vegetables… vegetables…
(THE CHILDREN sit by the bed of their father and start shouting too.) 
THE CHILDREN.       Vegetables… vegetables… Come on people buy our vegetables.
(A very loud sound of an explosion, darkness. The squeaking of the cart continues.)
Curtains.



  



 





     








[1] According to Islamic teaching, a man can divorce his wife, by saying, "I divorce you" to her; that is why Hanoon here is threating Fedheelah with this.
[2] He is referring to Atwar Bahjat, a journalist and correspondent of Al Arabia News Channel who was killed in Iraq in February 2006.
[3] These are two southern cities where such sad lines are initiated and known, and by saying that she is saying that the both cities are crying and sad for his departure.
[4] These are the first words that children should learn at school in Iraq.
[5] It is a traditional thing in Iraq, that when a person dies, his family will put a sign made of black cloth at the wall of the house of the dead person, announcing the death of the person and the time and place for the funeral, so that people can come and pay their respects to the dead.
[6] Both words are different pronunciation of a nick name of the same popular Arabic male name, Ali. Hanoon is explaining that nothing has changed they are all the same.
[7] Allah, Home and Leader these are the three mottos that Iraqi Military forces and even school children used to chant as their most important things in life, even more important than their own lives.
[8] This was a very popular military song during the 1980s and 1990s in Iraq.
[9]The master’ was a title used to refer to Oday, the elder son of Saddam.
[10] Haji, is a title given to a Muslim person when s/he does the practice of Haj to Makka, it is sign of being a religious good Muslim.

  (حين وقفت الحرب) كنت ألعب البليارد في محل ماجد النجار في منطقتي القديمة، حي الأمانة، وكنت لاعبا قويا، ولكن مثل الحياة، حتى اللاعب القوي في...