الخميس، 22 يوليو 2021

 رسالة من الكاتب المسرحي أحمد الصالح:

"

رسالة مفتوحة للصديق الكاتب
اتابعك منذ فترة من خلال بوستاتك وتأكد لي أنك تمر بحالة اكتئاب غير حميدة ..
انت معذور طبعا ..
فحسك الإنساني ووعيك والظروف التي تعيشها هناك أسباب مقنعة لما انت فيه ...
لكنك لم تزل بوعيك ومتمكن من قدراتك على ما أظن .. وهذا هو الوجه الحسن في قصتنا هذه ..
ولاني شاهدت لك بعض اعمالك التلفزيونية على اليوتوب ..
اجد من باب الصداقة أن أدعوك مخلصا إلى التفكير بكتابة مسلسل (كوميدي اجتماعي) وفق القياسات المتعارف عليها مهنيا وعالميا .. وانت تعرفها بالطبع ..
ليكن مسلسل Friends الأمريكي مثالك ..!!
مسلسل يتناول التغيرات الكبيرة التي طرأت على سلوك شباب العراق في السنوات الأخيرة وفي مقارنة مع فترة ( شباب ) آبائهم في زمن صدام ..
وانت عشت الحقبتين ...
مسلسل كوميدي ساخر من هذا النوع .. بحيث وانت تكتب حواراته تضحك ..
انا واثق سيخفف كثيرا من حالتك .. وفي نفس الوقت ستقدم لنا عملا يستحق المشاهدة ...!
ستقول لي ..
لماذا لا تكتب انت ..؟!
صدقني ..
لا وقت عندي لذلك ..
ولا عندي ( قرصاغك ) وطول خلگك بالكتابة ..
كما أني لم أعش حقبة ما بعد صدام في العراق ...
توكل على الله ..
وفكر بالموضوع ..
اخوكم ..

فكان هذا جوابي له مع المحبة

"سعدتُ وأنا أقرأ رسالة الكاتب الصديق الأستاذ أحمد الصالح، المقيم -قسرا- في الولايات المتحدة، وشريك البلوى، عندما قمنا ببيع مكتباتنا الشخصية منتصف التسعينات في المتنبي، بعد أن هرسنا الحصار الاقتصادي الملعون.

صديقي أنت تعتقد أن الكتابة الكوميدية، تجعل الكاتب يخرج من كآبته، وفي هذا نوع من حقيقة، لكن لا ننسى أن عظيم الكوميديا، الإنكليزي (شارلي شابلن) كان كئيبا على الدوام، حتى أنه هرب بزوجته (آنا) ابنة المسرحي العظيم (أونيل) الى أرض نائية في سويسرا، بعد أن منعته الولايات المتحدة الأميركية من الدخول الى أراضيها، عندما سافر ليوزع فلمه "أضواء المسرح"! لــ "شبهة في أفكار ماركسية تتخلل أفلامه" فقرر العزلة الحزينة حتى مات، بعد أن منحوه "غصبا عنهم" الأوسكار الشرفي الوحيد أواخر أيامه، وأسألك هذه المرة:
كيف لا تكون كئيبا وأنت ترى جرف الوطن تأكله الخيانات التي ترتدي قناع الوطنية الزائف؟
وترى الى مستقبل مجهول ينتظر أولادك من بعدك، وأنت تتركهم في مجتمع قاس وبدوي وقروي متأخر، الواحد فيه يستطيع أن يقتلك بــ "صلية" كلاشينيكوف بدم بارد لأتفه سبب بالكون؟
كيف لا تكون كئيبا، وأنت تسمع لشوبان وموزارت وبيتهوفن، فيدخل الى مسمعك صوت مؤذن، يؤذن بقوة مائة ديسابل، بينما تستحمل الأذن البشرية عشرة ديسابل فقط؟ او ترنيمة العصر عن الصمون الذي عشرة منه بألف، أو هيلب مي مستر بايدن؟
كيف لا تكون كئيبا وأنت ترى من تعرفهم وتعرف تاريخهم القديم والمشوه، يَعْلَون في المناصب لا عن جدارة، بل عن تملق ولواكه، ويقررون مصير حياتك ومستقبل أولادك؟
كيف لا تصاب بالكآبة وأنت كلما خرجت الى الشارع بسملتَ، وبسملتْ عائلتك معك، فإذا عدت سالما، تحمدتَ، وتحمدتْ عائلتك معك، كأن الشارع صار ساحة حرب لا فسحة فيه للعمل أو النزهة؟
اتركنا من الكآبة، ودعني أقصُّ لك الأخبار الجيدة والتي ستبهج قلبك المحب:
منذ أن اشتعلت نار الوباء، وبسبب طبعي بالبقاء في البيت، "لإيماني أن خارجه خطر دائم" قررت الاستفادة من هذه العزلة الإجبارية، فراجعت أوراقي القديمة، وجدت عدة كتب وروايات قديمة لم تكتمل بعد، اتصلت بالكاتب المسرحي الكبير فلاح شاكر، وفي لجّة الحوار، ذكّرني برواية قديمة، كنت قد أكملت أكثر من نصفها، وكان هو الوحيد الذي أطلع عليها، بواقعها المحدّث، فحثني على إكمالها، وقد كان مشجعا جدا بطلبه، وفعلا، ولأكثر من سنة، وبساعات عمل مستمرة من الظهر حتى وقت متأخر من الليل، أكملتها وأنا ألعب "الختيلان" مع فايروس كورونا.
أرسلت الرواية الى فلاح والى الروائي الصديق القديم الأستاذ حميد المختار، وإلى المثقف الكبير نصير غدير، والروائي أسعد الهلالي وآخرين من الزملاء الأحبة، وطلبت منهم مراجعة الرواية وتصحيح الأخطاء اللغوية والنحوية التي فاتتني، فلم يقصروا بذلك، وشجعوني على نشرها.
بدأت بالاتصال بدور النشر العراقية لنشرها، لكن فلاح أتصل بي في وقت متأخر من ذات ليل، وقال لي:
"الليلة آخر موعد للمشاركة في مسابقة (كتارا) للرواية في قطر، وفي المسابقة فئة للرواية الغير منشورة، أرسل روايتك وستفوز"
وفعلا، أرسلت الرواية قبل موعد نهاية استلام النصوص بساعات قليلة، وستظهر نتائج المسابقة شهر كانون الثاني من هذا العام.
علما أن هذه الرواية شرعت بها عام 1996، والوحيد الذي قرأها يومها، هو المرحوم خضير ميري، والذي ألحّ على الاستمرار في كتابتها، لكن هروبي الى عمّان عام 1997 حال دون ذلك.
بعد ذلك شرعت بإكمال رواية كنت قد أنهيت نصفها أيضا قبل عدة سنوات، وتتحدث عما جرى في بغداد ليلة مقتل "عبد الكريم قاسم" وهنا أول مرة أبوح بموضوع الرواية.
وأثناء الكتابة هذه، كنت قد شرعت بتدوين يومياتي مع موضوع كورونا بنوع من تأمل، فأكملت الجزء الأول وشرعت بالجزء الثاني من الكتاب عن الموضوع نفسه، كما أكملت أول خمسين ورقة من ما تحفل به ذاكرتي عن الخمسين سنة التي عشتها، وهذا كتاب آخر.
كذلك كتبت سيناريو مسلسل من ثلاثين حلقة، وحدث اختلاف بيني وبين جهة الإنتاج ووضع على الرف بانتظار فرصة لظهوره للجمهور الكريم.
فكما ترى صديقي العزيز، الاشتغال بروايتين وكتابين في آن واحد، مع إكمال مسلسل درامي من ثلاثين حلقة، وفي زمن الموت هذا، شيء جيد، وأيضا، كوني كاتب سيناريو، هذا لا يمنعني من كتابة باقي أنواع الفنون، ولا ننسى بأن نجيب محفوظ وماركيز، كانت بدايتهما مع السيناريو، ثم هربا الى الرواية، ونالا من خلالها، نوبل الأدب بجدارة.
لماذا تركت السيناريو كما تعتقد؟
نعم تركت السيناريو في الوقت الحاضر لأن شروط الإنتاج اليوم لا توافق طريقتي في الكتابة، وأنت تعرفها كونك مختص في الكتابة الدرامية، بل وأقدَم مني نشاطا وإبداعا، وفي هذا حديث نقوله في مناسبة أخرى.
مسلسل الأصدقاء FRIENDS الأميركي، الذي بدأ إنتاجه عام 1994 وانتهى عام 2004 من المسلسلات المهمة التي انتجها تلفزيون ورانر برذرز، وقد شاهدت معظم حلقاته في موقع سينمانا، وهو مسلسل حقق نجاحا جماهير في العالم كله لا في الولايات المتحدة فقط، كان زمن الحلقة أقل من نصف ساعة، وهو يتحدث عن الحياة اليومية لست شخصيات تتراوح أعمارهم بين العشرين والثلاثين.
يسمى هذا النوع من المسلسلات بــ "السيت كوم" وأنا أول من كتبه في العراق، بواقع خمسين حلقة في جزأين لقناة البغدادية عامي 2004-2005 باسم "عائلة في زمن العولمة" وتنبأت فيه بكل ما سيجلبه الأنترنت من مشاكل اجتماعية خطيرة، وحقق المسلسل نجاحا طيبا.
أما لماذا لا أكتب مقترحك الكريم والمستفز إبداعا، فهذا لأني منشغل بإكمال روايتي الثانية والكتابين الآخرين، والوقت لا يسمح لي بمواصلة التأليف للتلفزيون في الوقت الحاضر على الأقل.
شكرا ثانية لمحبتك وقلقك على رفيق مهنتك، وهذا نبل قلّ أن نجده في تاريخ العلاقات الأدبية العراقية، خاصة موضوع الرسائل المتبادلة بين الكتّاب، لعل رسالتك هذه وجوابي لها، تكون فاتحة لنوع مهم من أنواع الكتابة الإبداعية التي يفتقد إليها الأدب العراقي، كتب الرسائل الخاصة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  (حين وقفت الحرب) كنت ألعب البليارد في محل ماجد النجار في منطقتي القديمة، حي الأمانة، وكنت لاعبا قويا، ولكن مثل الحياة، حتى اللاعب القوي في...