الاثنين، 4 نوفمبر 2019

الجيل الإلكتروني المتمرد


أطلق عليه بعض المهتمين - وهم يحاولون تعريفه - اسم "جيل ما بعد بعد الحداثة" ولكن، ماذا عن الأجيال القادمة بعده؟ هل سنبقى نقول: جيل ما بعد بعد بعد بعد بعد الحداثة؟ هذه إشكالية انبثقت أول مرة عندما تم اختراع لقب "جيل الحداثة" ثم "جيل ما بعد الحداثة" كانت الدعوة صريحة للبحث عن اسم جديد للأجيال التي ستأتي بعد جيل ما بعد الحداثة، وهم، الجيل الذي ولد بعد ست سنوات من عام 1989، عام هدم جدار برلين، الجيل الذي أنفتح على العالم، مهدمّا جدران الفصل الفكري والاقتصادي، والذي قتل "متوهما" الحرب الباردة الأميركية-الروسية، وبالتحديد الجيل الذي ولد في منتصف تسعينات القرن الماضي، والذي يطلق عليه الخبراء، الجيل زد Generation Z) ) هذا الجيل الذي يحرك الشارع الغاضب في كل قارات العالم اليوم، في شيلي، هونغ كونغ، برشلونه، باريس، الجزائر، بيروت، بغداد ودولا أخرى، هذا الجيل الذي نشأ مع نشوء ثورة الاتصال الإلكتروني، خاصة بعد ظهور العملاقان فيس بك وتويتر، كذلك الناشر الفلمي المهول، يوتيوب، هذا الجيل الذي لم يربَّ من قبل والديه وعائلته فقط، كما هو المعهود ، بل تدخل في التربية، آخرون، استطاعوا في أحيان كثيرة التأثير على أبناء هذا الجيل، لدرجة أن يقوم شاب عراقي، بتجنيد مراهقة ألمانية، ويجرها من ألمانيا الى داخل العراق، عن طريق تركيا ويتزوجها، ثم تعمل معه في الإرهاب، وهذا ما أطلعت عليه شخصيا في ملفات الإرهاب في العراق، هذا الجيل، ببساطة لا يمكن السيطرة عليه، خاصة وأنه حشر في زاوية الفقر الضيقة، بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية التي حدثت عام 2008 وفساد الحكومات التي توالت على حكم العراق، وباقي الدول التي نشهد لها بالثورات هذه الأيام، فكيف إذا جاء الكساد الاقتصادي المتوقع في 2020؟ ماذا سيفعل أبناء هذا الجيل، الذي يمتاز بعدّة أشياء قد لا يدركها الكل؟
لهذا الجيل عدة مميزات دعونا نذكر بعضها على عجالة:
1-  لا شيء مقدس عند أبناء هذا الجيل، وإن وجد، فسيتم تقدسيه بطريقة مريضة، كما عند متطرفي السنة والشيعة واليمين المسيحي المحافظ، والكرد العنصريين ومثلهم التركمان وباقي مكونات العراق مثلا، كذلك النازيين الجدد في أوربا وغير دول، ممن هم بهذا العمر.
2-  أبناء هذا الجيل، لا يعرفون رموز بلادهم الثقافية والفنية والاجتماعية، ربما يعرفون نجوم كرة القدم، فهذه لعبة شعبية، أما إذا سألتهم عن رموز بلدهم التي ذكرت، فلا يكادون يعرفون إلا ما درسوه في المدارس.
3-  لا يحبون الشعر الرصين، يفضلون الشعر الشعبي البسيط، والذي نجح في تناول همومهم الحياتية، بينما فشل شعر التفعيلة المغال بقوانينه، والشعر الحر الذي صار مطية للعديد من الشعراء ممن هم من أبناء هذا الجيل، ليكتبوا في كلمات لا معنى لها، قصائد هزيلة، يصفق لها أبناء جيلهم أنفسهم، ممن لم يقرأ للسياب أو للماغوط مثلا!
4-  أبناء هذا الجيل، الجيل Z، لا يسمعون الأغاني الجميلة التي تربينا عليها، ذات الكلمات الجميلة والألحان الهادئة، بل يميلون الى سماع الأغاني السريعة، والأخرى التي تفلت كلماتها، من أي قيود شعرية ولغوية، والتي أسمها (الراب)، نعم فالراب محرض أكثر من أغاني فيروز أو أم كلثوم، التي تدعو الى الحب وتتحدث عن غدر الحبيب، فهذا الجيل، ليس عنده مشكلة إن غدر به حبيبه، أو غير حبيبته يوميا، إذا حدثت أبسط مشكلة بين المحبين، فالحب أو (العروض لعلاقات جديدة) أمر صار متاحا على صفحات التواصل الاجتماعي، لهذا نرى كثرة حالات الطلاق في مجتمعاتنا المعاصرة، عكسنا نحن أبناء الأجيال الأقدم، الذين نحب ونتزوج بنت الجيران، أو القريبة، أو الزميلة في الكلية، أو في الوظيفة، بالنسبة للخائبين الذي يجدون حبيبتهم بعد تقدم العمر، فلم تكن لدينا مصادر متاحة تتواجد فيها عروض العلاقات الغرامية فالزواج، كما هو اليوم.
5-  التدخين عند أبناء هذا الجيل ليس عيبا، بل يكاد أن يكون تدخين الناركيلة، والتي هي أكثر ضررا من السكائر، كما تقول التقارير الصحية العالمية، طقسا تشترك به الشابات مع الشباب في أماكن عامة، وأيضا من الممكن تدخينها أمام الأهل، أمام الأب والأم، عند الأجيال الأقدم من هذا الجيل، كان تدخين السيكارة محرجا لنا أمام الأهل، ونحن كبار العمر. هذه جرأة ستولد جرأة أكبر، وهي تناول الحبوب المخدرة والحشيش وباقي المخدرات، التي انتشرت في مجتمعنا العراقي المحافظ، بل وصل الأمر الى السماح لبيعها في الأكشاك في بعض الدول الأوربية، بعد أن كانت جريمة توقع بمرتكبها تحت طائلة القانون.
6-  أبناء هذا الجيل يحبون السينما، ويتابعون نجومها الذين لا نعرفهم نحن الأكبر منهم، وهم لا يعرفون نجومنا المفضلة، يحبون الأفلام الخيالية مثل (سيد الخواتم) و (هاري بوتر) وغيرها، وهم يفضلون صراع العروش (Game of thrones) على أي عمل عراقي نقوم بكتابته وإنتاجه، بل وأي عمل عربي أيضا، ذلك لأن الإبهار الصوري عندهم، أهم من الإبهار القصصي، والبعض الأخر الذي يهتم بالقصة، يشاهد أعمالا أخرى لم نسمع بها من قبل، مثل (بريكينك باد) وموضوعها طبعا، أستاذ في مادة الكيمياء يصنّع مادة الكريستال المخدرة، ويتاجر بها، ليعالج نفسه من مرض السرطان، هذا جيل إذا بحث عن الثقافة، فسيأخذها عبر الفن السينمائي، ولكن هذه الثقافة التي قد تولّد عند البعض منهم نزعة التمرد الشريرة، كما أصاب العديد منهم، هوس تقليد ضحكة (الجوكر) في الفلم الشهير، الذي كان يمثل أبناء هذا الجيل المعزول، والذي لم يجد بطله الجوكر غير الانتقام وسيلة للثأر، من هذا التهميش لأبناء هذا الجيل، فخرجوا من دور العرض وهم يقلدون ضحكته، وهذه إشارة الى المنظرين المهتمين بأمن المجتمعات، للحذر من أن نموذج الجوكر، فقد يتم تقليده في المجتمعات الهشة فكريا وثقافيا واجتماعيا، كمجتمعاتنا، ويصبح تقليعة يفخر بها الشباب.
7-  هذا الجيل لا يقرأ، الكتاب آخر همه، وإذا أراد أن يقرأ تجده يقرأ ما يكتبه أبناء جيله، هو لا يقرأ الأدب الكلاسيكي مثلا، وهو بهذا محق، فتلك آداب أفنينا أعمارنا بها، دون فائدة، فهي تتحدث عن مجتمعات لا تشبهنا أبدا، لكن المشكلة، أن النتاج الأدبي لهذا الجيل، بسيط وفقير، رغم صعود نجومية بعض الكتاب الشباب، إلا أنها نجومية سريعة الأفول، ليس بسبب ضآلة النتاج الأدبي حسب، بل لأن هذا الجيل، أصلا لا يخلد في رأسه نجم، فهذا عصر ظهور النجوم السريع، والسريع أفولهم.
8-  جيل يعشق كرة القدم، وبسبب الانفتاح الإلكتروني، بدأ بمتابعة الدوريات الدولية، كالدوري الإيطالي والإسباني والإنكليزي، وصار يحفظ أسماء نجوم الكرة الأجانب، ويتعنصر لهم، أكثر من تعنصره على نجوم منتخبه الوطني، ولنا في الهوس على ناديي برشلونه وريال مدريد، ونجميهما مسي ورونالدو خير مثال، فهم برشلونيين أكثر من البرشلونيين، وريالين أكثر من الرياليين، وسبب هذا خذلانهم أمام المنتخبات والنوادي العربي، نعم جيل يرفض الخذلان، وربما هذه حسنة له، وربما العكس، هذا مرهون بقادم الأيام.
هذا الجيل سيحكم العالم بعد عشرين سنة، وربما أقل، كيف سيكون مصير الحياة السياسية الدولية حينذاك؟ هذا إذا أبقى على سلامة المجتمعات الإنسانية اليوم.

هناك 4 تعليقات:

  1. شكرا للكاتب حامد المالكي..ولو أنني أحب أن اسميه المؤرخ الحديث لانه قدم التأريخ بحلقات جميلة وبسيطة بلا تزييف..
    عموما. عندي سؤال. وأنا مواليد ١٩٧٣ وخريج الاعدادية الشاملة في الرصافة المطلة على قناة الجيش..(فأنا لست من الشباب. بل ربما من الديناصورات المتعفنة). عندما كنت طالبا في الشاملة كان المدير الله يرحمه (مجبل هاشم نجم الزبيدي) يشبه في تأثيره وطغيانه يشبه فرعون او زعيم كوريا الشمالية..ولا زلت احمل منه تذكار تهديد مرعب بسبب تجرؤي على شرب الماء من براد الادارة..كان في ديكورات عظمته نقص غريب هو ان اللاندكروز المخصصة له كانت سبعينية عجوز مزنجرة..فكأنما المشهد كان لوحة بيكاسوا ولكن معروضة في سوق مريدي!!!..والان ماذا تعلمت من هذه الخبرة البائسة..
    ١. لا تضع غيرك في صناديق..فأنت لست الله. لماذا نسمي انفسنا بالمرجعيين ؟ من اعطانا الحق بأن نعتبر المتنبي افضل من شاعر مواليد ٢٠٠٣؟..يكتب بلا قافية ولا وزن؟..السنا فراعنة؟ والسنا بهذا نتصرف كصدام؟
    ٢. التأريخ عبارة عن اوراق صفراء ميته..الاحياء هم المهمون وليس الاموات. بعد وصول الخليفة بول بريمر الى بغداد وقيامه بتعيين السبعة الحرامية الذين تكاثروا وصارو سبعين وسبعمائة ..كانوا يدعون بالحق الالهي لحكم العراق فهم يقولون (نحن خلفاء كهنة بابل نلبس ملابس الكهنة ونحمي الالهة ويجب ان نبقى على الحكم ونحن قدمنا قرابين للعراق فيجب ان نحلب العراق الان )
    وعندما ضاع العراق عام ٢٠١٤ بفضل الكهنة مواليد الاربعينات والخمسينات والستينات (يعني مرحلة ما قبل الديناصورات المتعفنة..ربما اسميها مرحلة البكتيريا البدائية المتعفنة)..لم ينقذ وجود العراق رواياتهم ولا صورهم التي التقطوها وهم يحملون بندقية وفوقهم عمامة ويلبسون بدلة الحرب..في منظر يشبه المدير المعظم صاحب اللاندكروز المزنجرة ..
    انما سبب وجود العراق كانت الدماء الطرية للشباب مواليد ٢٠٠٣ واصغر منهم..وهنا اذكر الشباب والبنات اخواتهم او زوجاتهم او حبيباتهم اللواتي تحولن الى شموع تذوب ببطء بعد ان ذبحن بفقد احبابهن...

    ارجوك استاذ حامد...كن سومريا كن ك أبراهيم النبي ...حطم الاصنام..اخرج من سجون الفكر..وامسح مواليدك وانسى ايام سجن الاعدادية الشاملة..وقم بتوثيق حياة هذه الزهور الصامته..هذه مسؤوليتك انت..فأمثالي من الديناصورات تمكن منا التعفن وتهتك انسجتنا وصرنا نعبد الاصنام..اما انت فأنني ارجوا فيك ان تؤرخ الحقيقة..العارية تماما من مكياج الحرامية وعبدة الدولار والدينار والريال والكرسي والفرعنة والكذب والدجل والتأله...التقي مع الشباب اسمع منهم كن انت طالبا في مدارس افكارهم لا تحكم عليهم لا تضعهم في قالب مقزز لخاطر فلان وفستكان ولو كان الفستكان هو الجواهري او المتنبي او سياسي عينه بريمر وكان انجازه عندما تولى رئاسة الوزراء انه كان يمد اصبعه في خشمه امام الكامرات....
    الزهور الصامته...تعطينا الحب بلا مقابل..تعيش بصمت وتموت بصمت ..في حياتها الهام للشعر وأية للجمال وفي موتها تعطي حطامها لشجرة اخرى ...فهي عطاء مطلق..وليست ديناصور متعفن مغطى بأطنان من الكذب والدجل والكفر...
    وشكرا لك اذا وصلت الى هذا السطر...

    ردحذف
  2. توضيح: استخدمت الرمز لذا وجب علي التوضيح.
    ١. الديناصور المتعفن. هو مخلوق ضخم وقوي وكان سلطان على الارض الا انه رفض التطور والتغيير فكان مصيره الانقراض. استخدمته كناية عن الانسان الذي يسجن عقله وبصره في صور وتعاريف وافكار ناس ماتوا.
    ٢. المتعفن . هو مادة حية ماتت فغزتها الفطريات وقامت بتفكيكها الى مواد اولية بسيطة ليتم اعادة تدويرها الى منتوجات احدث..التعفن الفكري هو حكم التاريخ على الفاشلين بأن يخرجهم من عزتهم ايام حياتهم ويحولهم الى مسخرة..مثال على ذلك صدام قبل ٩/٤/٢٠٠٣ كان القائد البطل الشجاع الذكي ...الخ ولكنه بعد سقوطه ستتحلل كل هذه الصفات وتختفي عنه ويحل محلها تقييمات علمية (متهور دكتاتور مستبد اضاع بلده ضيع ثروة العراق..الخ).
    ٣. أنا استخدم عبارات قاسية تبدوا كشتيمة..ولكنني احتقر الطغاة لدرجة انني اعتبر شتمي لهم اهانة لي وتعظيم لهم..فهم اضئل من ان امنحهم مرتبة الشتيمة...
    ٤. شكرا لصبركم

    ردحذف
    الردود
    1. شكرا صديقي على هذه الكلمات، قرأت كل رسائلك اليوم لأني لم أدخل على مدونتي منذ فترة بعيدة، أنا أيضا خريج الثانوية الشاملة، وسأخذ في اقتراحك وممنون منك

      حذف

  (حين وقفت الحرب) كنت ألعب البليارد في محل ماجد النجار في منطقتي القديمة، حي الأمانة، وكنت لاعبا قويا، ولكن مثل الحياة، حتى اللاعب القوي في...