الاثنين، 24 أكتوبر 2011

ابو طبر احمد هاشم : للمجرم صوت داخلي ايضا


حامد المالكي*
فرحت كثيرا عندما قرأت رأيه ولا أقول (نقده)، فللنقد أسس ابتعد عنها احمد هاشم من السطر الاول في مقاله الموسوم "ابو طبر حامد المالكي" والذي نشر في صحيفة العالم العدد 453 في 23 اكتوبر 2011.
المقال موسوم بنفس عنوان مقال مهم كتبه الشاعر والصديق الطيب عبد الرزاق الربيعي من منفاه في مسقط، الا ان الفرق بين المقالين ان الربيعي فهم اللعبة الموجودة في النص وبيّن ان ماشاهدناه ليس قصة حياة ابو طبر الحقيقي بل ابو طبر الخيالي الذي صنعه حامد المالكي.
الربيعي يفهم ان دور الدرامي هو ليس إعادة التاريخ فهو في النهاية ليس بمؤرخ، انه صانع فرجة تلفزيونية كما "اصيّح" في كل لقاء يجرى معي، ومن يريد ان يقرأ التاريخ فليشتري كتب التاريخ. كتب الربيعي يقول "والواضح أن المالكي أراد أن يعطي لشخصية السفاح أبعادا درامية وصولا الى بناء شخصية البطل الإشكالي، وبذلك ابتعد عن الشخصية الأصلية ولم يبق منها سوى خطوط باهتة تحدثت عنها الوثائق، وقد أصاب بذلك، فنحن في النهاية لسنا أمام عمل تاريخي بل أمام حالة درامية استندت الى أحداث صنعتها شخصية واقعية، واجتهد المالكي في تفسير تلك الأحداث، وماشاهدناه من حمولات رمزية في العمل ككل هو تفسير المالكي الشخصي لتلك الأحداث، على ضوء قراءته لمرحلة مهمة في تاريخ العراق، تلك المرحلة هي مرحلة السبعينيات التي شهدت وصول حزب البعث للسلطة".
بينما كتب احمد هاشم :" موضع اعتراضي على حامد وهنا أوجه الكلام له شخصيا: أعطيت ولاءك للقوي. وأنت تعلم من أين مصادر القوة في شرقنا الموبوء بالضعف الفردي. أعطيت الحجة يا حامد إلى كل مستبد. أعطيت الحجة والشرعية لكل باغ أفّاق. لم تنظر إلى الضحايا، بكاؤهم وقلة حيلتهم، لم تعط الضحية هوية، تركتها غائرة في دمها، وتركت بطلك سادرا في ضحكاته وقلة اكتراثه، وركزت كثيرا على ترسيم ملامح الجلاد مع مسوغاته. كما تركت ضحاياه من دون ملامح نتعاطف معها".
صديقي احمد، صدقا اقول لك، اني لم افهم ماذا كنت تريد ان تقول. وفي مدونتي المتواضعة والتي تشرفت بنشر مقالك (دون أخذ موافقة العالم لأنها صديقتي) ستجد اكثر من خمسة وسبعين مقالا عن مسلسل أبي طبر. أحصي المقالات التي تخالفك الرأي، اكثر من مقالين للشاعرة المبدعة بلقيس حسن، مقالين للصحفي المجتهد حسن عبد الحميد، اقرأ ما كتب الاستاذ جاسم المطير والذي نشره في اربع حلقات في طريق الشعب العراقية، اقرأ ما كتب الآخرون، وايضا اقرأ من انتقد المسلسل، وماذا كان يشغل من مناصب في حكومة صدام، وهذا عنوان المدونة (http://hamedalmaliki.blogspot.com/)
أما مقالك نفسه فمقال رأي. دلني على مسلسل عراقي كتبت عنه مقالات رأي؟ وهذا يؤشر لنجاح تغافلته انت، وتغافلت جمهور المسلسل.. ربما تقرأ انطباعاتهم على صفحات الفيس بوك، انظر كم صفحة وكروب أنشئ لهذا المسلسل، كل هذه الاصوات تجاهلتها انت، انها اصوات النجاح التي لا يحبها العراقي لأخيه.
مقالك يا احمد يتهمني بتمجيد القتل، وانت تتهمني شخصيا بقولك "موضع اعتراضي على حامد وهنا أوجه الكلام له شخصيا..". رغم انك تعرفني جيدا وتعرف افكاري لانك صديق لي. لكن ليكن هذا الاتهام، "الشخصي" ولا أدري لم هذه الشخصنة في مقالك؟ مقالك يلومني لاني: "كنت مشغولا بقلة اكتراث تعيد تأهيل مجرمين لا يكترثون بأقدار من لا تكترث لهم. يعني: لم تسمع صرخات ضحايا بطلك المزعوم. تجاهلت كيف يكون الفقدان بالنسبة لأخ او أخت، أو أب أو أم. جعلت بطلك يبدو متمكنا شرسا جسورا، وله كل ما يشاء، ولم تشأ لضحاياه سوى بحر السلطة من خلفهم وطبر صاحبك من أمامهم".
لكني أقول لك، انا كتبت مادار من حديث بين المجرم ابو طبر والسيد ....... المحقق الاول في العملية والذي يرفض ذكر اسمه. ضابط شرطة محترف ارشدني اليه صديقي الدكتور فاروق الفتيان. كل ما دار من مشاهد بين ابو طبر والعميد زهير هو ما رواه حاتم (ابو طبر) الى السيد العميد، أما كونه مثقفا، فهذا ما ذكر لي من الكثير ممن قابلوه. هل كان غنيا كما تقول؟ اقول لك لا، كان يدعي الثراء بدليل انه كان لصا، سرق بدلة ضحية من ضحاياه، وجدوا البدلة في خزانة ملابسه وعليها اسم الضحية بخط يد صاحب اللوندري، وايضا، وبعد عرض المسلسل عرفت اشياء عن هذه الشخصية ليس هنا مجال لذكرها.
كنت اتمنى منك يا احمد ان تقرأ الادب العالمي الذي تناول الجريمة والمجرمين جيدا، وان تشاهد افلاما سينمائية كثيرة اظهرت البطل (بدون لحظة ضعف او ندم). من ينسى (دون كورليوني) بطل فلم (العراب) ومن هو بوسامة (مارلون براندو) فيأتي به كابولا ليؤدي دور القاتل العنيف بالدم البارد (العراب).
هل سمعت صوت الضحايا في العراب يا احمد؟ هل تتذكر كيف مات هذا المجرم الكبير، لقد مات وهو يلعب الاستغماية (الختيلان) بمنتهى البراءة مع حفيده الصغير، يالها من ميتة رومانسية حالمة. وطبعا العراب الاصلي لم يمت هذه الميتة، لكن ماريو بوزو كاتب الرواية وسيناريو الفيلم وكاوبولا ارادها هكذا، لم يلومهما احد على هذه الميتة الرومانسية، أما أنا يا احمد فقد قامت الدنيا علي لأنني اخترت كاظم القريشي الوسيم بطلا للمسلسل.
هل شاهدت فيلم (العطر) عن رواية الكاتب الألماني الشهير باتريك زوسكيند؟ هل شاهدت هذا الشاب الذي يصنع عطوره من أجساد النساء بعد ان يقتلهن، هل تتذكر المشهد الاخير، عندما جعل حتى ممثل الرب (القس) يهيم بالعطر فيمارس الجنس امام الناس والدنيا مع الراهبات؟ والمجرم يضحك.. يضحك يا احمد ونحن نتعاطف مع هذا الذي اخترع مالم يكن بالحسبان، عطر النساء، وطبعا لم نسمع اصوات ضحاياه، سمعنا صوته هو فقط.
يا احمد لا اريد ان أزايد على ثقافتك، لكن اسمح لي ان اقول لك ان هنالك فرقا بين الدراما والتاريخ، لا يهمني مصير الضحايا ولم اكن اريد ان ابرز عوائلهم او اسمائهم الحقيقة، والاسباب اجتماعية كما تعلم. ما كان يهمني، هو الصوت الداخلي لهذا القاتل، نعم ساترك اصوات الضحايا للكاتب التقليدي، للمؤرخين، انا ساقترب من القمر من وجهه الاخر الذي لم يشاهده احد، هل تعاطفت مع المجرم؟ نعم احمد، وكيف لا اتعاطف مع انسان لم يكن مثلنا، انسان كان يولغ في الدم ببرود قاتل، اني ارثيه، احزن له، لقد بكيت عندما كتبت مشهد إعدامه، انه مسكين، انه ضحية قدر أوجده في العراق في ذلك الزمان، ولعله دفع ثمن صداقته لسعدون شاكر وانت تعلم من هو سعدون شاكر.
أما قولك :" لم أجد السياسة في مسلسلك، ولم أجد التسييس لشخص بطلك إلا لماما، تسييس خجول يخجل من إقحام السياسة إلا على مضض. لم أفهم مطلقا إن كان أبو طبرك أداة في آلة السياسة، أو انه كان طبرا لتحقيق آلام- عذرا آمال- شخصيته".
هنا اقول لك اني منذ اللحظة الاولى قررت ان لا اكتب عملا سياسيا لان الناس هنا في العراق ملوا الاعمال السياسية، انا اكتب عن الانسان، لا عن السياسة، مللت السياسة، كل اعمالي السابقة سياسية، انت تشاهدها على ما اظن، في هذا العمل قررت ان اكتب السياسة من خلال لسان الناس، الرفيق البعثي الشريف فوزي، الذي يطرده الحزب في النهاية، المطيرجي الذي يصبح بعثيا ويكرم، صاحب القهوة الذي كان شقيا يقتل لصالح الاحزاب السياسية. بربك من تناول مثل هذه الشخصية؟ من خلال (ام فتاح) التي ادتها ناهدة الرماح العملاقة، هذه المرأة التي (تقره) أي التي ترى ما لا يراه الآخرون، هل تتذكر تحليلاتها للسياسة؟ من خلال فتاح وصديقه ناهي، اللصين الظريفين، لقد كانا يسكران ويحللان الاوضاع السياسية بطريقة مضحكة، ماذا تريد اكثر؟ ماذا عما كان يدور في المشاهد التي كانت تجري احداثها في مبنى العلاقات العامة (جهاز المخابرات) هل كنت تسمع حوار العميد (زهران) مع بقية ضباط المخابرات، هل كنت تسمع قصة خلق عدنان القيسي وماذا حصل بعد محاولة انقلاب ناظم كزار؟ احمد اريد ان اسالك سؤالا وبخجل: هل شاهدت كل حلقات المسلسل ام شاهدت مشاهد هنا وهناك وبنيت انطباعك؟
صدقا يا احمد، آليت على نفسي ان لا ارد على منتقد لأعمالي لأن لكل انسان وجهة نظر، لكن، لانك كاتب مهم ومثقف كبير، فقد كتبت لك هذا الرد. واذا التقينا، سنتحدث كثيرا.. انتظرني مع سفاحي القادم صديقي.
هامش: عند الانتهاء من كتابة هذا المقال، سمعت دوي انفجار كبير اهتز له بيتي، وها انا اسمع صوت صافرات الاسعاف تهرع الى الشوارع. الشيء الوحيد الذي لا اسمعه للاسف، هو صوت الضحايا يا احمد.
*سيناريست وكاتب مسلسل "ابو طبر" الذي عرض في رمضان الماضي وأثار سجالات عديدة فنية وتاريخية.

 

هناك تعليقان (2):

  1. سمرقند الجابري27 أكتوبر 2011 في 10:52 م

    تحية طيبة : المشكلة في اكثر من يدعي انه ناقد او يطرح نفسه كناقد لعمل ادبي فني تلفازي او اي نوع ثقافي اخر هي وجهة نظر محدودة ساذج لا تعتمد على التحليل العلمي آراء قد يسخر منها كل مثقف يقرأ مقالا كالذي كتبه الاخ في لحظة (صخونة ) او لحظة قهر نفسي لنجاح ما لم يكن يقدر على الاتيان به ، وان يا استاذ مررت بهذا الامر الف مرة ...بس الشغلة شنو على كولة امي ( يمة شيخلصها )

    ردحذف
  2. ايضاح رجاءً كنت قد قرأت حوادث مؤلمه بكل حيثياتها وكانت تحت اسم ريا وسكينه وفي عشرينيات القرن الماضي وقد دُرِجَتْ تحت هذه التسميه لاعتبارات شتى وكان الأصح عندي ان تسمى جرائم محمد عبد العال احمد طه وحسب الله سعيد مرعي وعرابي حسان ثابت وعبدالرازق فأياً منهم كان ابلغ في الجربمه والتنفيذ من ريا وسكينه وكان دوريهما ثانوي والثاني ففي بدابة سبعينات القرن الماضي حدثت في بغداد جرائم ابشع لقاتل متسلسل بلغت اكثر من ٢٧ضحيه من النساء والأطفال عرفت بجرائم ابوطبرحينها ولم يتحدث احداًعنها كثيراً ولم يساهم الأعلام والفن ربما للواقع الفني المتأخر لدينا او لأسباب منها الخوف واسباب اخرى لامجال لذكرها الآن والفاعل لتلك الجرائم معروف لدى العراقيين وقد سئل الوزير السابق وعضو القيادة القطريه للنظام المنحل ومن خلال قناة الجزيره لبرنامج شاهد على العصروهو صلاح عمر العلي عَنْ مَنْ يقف وراء هذه الجرائم البشعه اجاب وبشجاعة انه صدام حسين٠٠؟ وكان المَنَفِذْ له القاتل المتسلسل محي مرهون حيث كان يكنى وهو احد اهم افرادعصابته في ستينات القرن المنصرم وقضى نحبه على يده بعد ان انهى المهمه كما ان صدام كان قد دخل مصر بين العامين ١٩٦٠ - ١٩٦٣ وزار الاسكندريه لبضعة اشهر ولحسن الحظ لم يرتكب جرائم قتل عدا بعض الجنح والجرائم الصغيره وحادث مقتل خادمه قيل انها انتحرت بسقوطها من الطابق الثالث وكان هذا في الأسكندريه فطلبت المخابرت المصريه من صدام العوده للقاهره كما لدى شرطة حي الدقي - القاهره بعض الملفات السريه عنه واخرى
    لدى مباحث القاهره٠

    ردحذف

  (حين وقفت الحرب) كنت ألعب البليارد في محل ماجد النجار في منطقتي القديمة، حي الأمانة، وكنت لاعبا قويا، ولكن مثل الحياة، حتى اللاعب القوي في...