الأربعاء، 7 سبتمبر 2011

ابو طبر ضربات غير موجعة

نقلا عن موقع الحوار المتمدن 

تدلى من حبل المشنقة هكذا اوصولوا لنا خبر نهايته مع انه لم ينته ولم تنطو صفحة اخباره ,فاثار الكثير من اللغط والشكوك وحاكت الالسن التواقة الى التأويل اسطورة قاتل فرض نفسه بقوة الانحطاط في العوالم السفلية ودهاليز المخابرات وغرف نوم الاباء والابناء وعلى الاسطح وفي الشوارع ,راسما بذلك خريطة من الرعب تمسح بجغرافيتها ارض العراق انذاك ولتعجل في ايواء الناس مبكرا الى فراشهم الخائف والمتكل وتتأبط الرعب المتخيل والمبثوث في اعماق الراس .

كنا انذاك نحمل الاسطورة بطريقة السلوك الجماهير المتمثل بالعقل الجمعي فنزين الاسطورة بمكياج الرعب المنبثق من ذواتنا الخائفة والتي جبلت على التصفيق والاذعان لهيبة السلطان فهي ذات النفوس القديمة والحديثة والمستقبلية فمن الطبيعي ان تتشكل الجمل النفسية للفرد العراقي المصاحب للجموع كما ترغب او توجه السلطات او القائد ففي خضم بناء الدولة الامنية والمخابراتية للعصابة البعثية ابان اغتصابها للسلطة وباستيراد مخابراتي من الدول الصديقة استطاع بعض شذاذ الافاق ورعاع القرى ان يبثوا الرعب والقتل في الاجواء فاستهلوا مسيرتهم المظفرة وعلى مرئى ومسمع من الجماهير بقاتل خارق اوهكذا ارادوا ان يبثوا رؤاهم بهذا المارد الجبار .
تدلى من حبل المشنقة اخر مشاهد مسلسل (ابو طبر) من على شاشة البغدادية في شهر رمضان المنصرم وهذا المسلسل الذي اراد كاتبه المبدع حامد المالكي ان يجمع بتوافقية بين الحقائق التاريخية وبين المتخيل او ضربة الكاتب بصورة لاتتعمق في التاريخ بل تحاذيه ولا تجنح بالمتخيل بل تحاصره بمجموعة من الحدود حتى لا يخدش وجه التاريخ ويفقد روحية الحدث وقد توفق الكاتب بالمزاوجة بروح تواصلية ومتواشجة لهاتين المتناقضين لكنها لا تخلوا من المبالغة بعض الشيء فولد لدينا تساؤلا من المسؤول عن تلك المبالغة المؤلف ام المخرج الذي اضاع رونفة الحدث وروعة التاليف بالاستخفاف بعين المشاهد الذي وقع المخرج في فخه وبالتالي اضعف من القوة البنائية لذلك المسلسل الذي اراد كاتبه ان ينتقل به من عالم المحلية العراقية الى العربية وكان قاب قوسين او ادنى من تحقيق هذا الهدف والذي هو مطلب جماهيري وحيوي لولا الهفوات التي وقع بين براثنها المسلسل ولذلك اردت هنا ان اشير لبواطن الضعف وما اكتسبت عيناي كمشاهد بعيدا عن روح المجاملة والاطراء الذي جبل فيه كتابنا لان ماهو جيد نصفق له وما هو رديء من واجبنا تجاه انفسنا واصدقائنا ان نضع اصابعنا حيث النزف وكيف هذا والكتابة في التاريخ لهو مطب كبير يقع فيه الكاتب امام المؤرخين والباحثين, فكيف اذا ماكان التاريخ حديثا وملامسا لحقبة زمنية عاشها اغلب من شهد المسلسل مع التاكيد بان الكاتب ليس من الضروري بمكان ان ينقل لنا الحدث التاريخي كما هو بما انه لم يشير بان هذا المسلسل هو مستنبط من الحياة الاجتماعية بصورتها الواقعية بل انه اقتباس فله كل الحق ان يشكل القصة ويضع رؤيته الخاصة كما يريد وليس لاحد الحق ان يحاكم المسلسل من وجهة نظر تاريخية مقارنة بالواقع المعاش من التاريخ المستنبط منه احداث المسلسل لكننا لنا الحق جميعا ان نضع رؤانا من الناحية الفنية التي تمس الموضوع عن قرب فليس من المعقول مثلا ان نصنع مسلسلا عن المتنبي بتاريخه المعروف ونجعل قتله بحادث سير مروري فعليه عندما نتلكم عن حقبة ابو طبر يجب مراعاة الموائمة التي راعاها الكاتب ايضا كما اسلفت بين الحدث بحقيقته وما يراه الكاتب من نسج مخيلته
فمنذ الحلقة الاؤلى اطل علينا ابو طبر بايقاع غير مخيف وحركة ثقيلة لا تتناسب وخفة قاتل مدرب ومحترف ومنذ الوهلة الاؤلى كشف لنا وجه (ابو طبر) الباسم بمكر والذي حاول الفنان المقتدر كاظم القريشي ان يؤدي دور هذا القاتل الذي يذبح ضحاياه وهو في اشد حالاته النفسية هدؤا فتمكن من اداء هذا الدور برسم بسمة (هتشكوكية) يلتفت صوب الكامرة على طريقة السينما الهندية وبما ان هذه الاستعارة ضرورية وطبيعية كان من المفترض ان تصاحبها موسيقى تصويرية تشكل جملة فنية مرعبة تبث الى نفس المتلقي لكن للاسف المخرج لم يرسم مشاهد القتل بصورة حرفية لاننا لم نحس برعب اللحظة المنبثقة من القتل والسبب يعود لبطء حركة الاداء واستسلام الضحية الكامل والهنة الزمنية مابين فعل القتل واستكانة الضحية اوصلت لنا ذلك البرود في المشاعر تجاه عملية القتل وعدم الاتساق النفسي بين المشاهد والشاشة وعدم اهتمام المخرج بحركة الممثل الكومبارس المؤدي لمشهد القتل لانه ركز فقط على دور البطل علما بان الدراما تكون وحدة متكاملة بكل مفاصلها وعلى سبيل المقارنة لا الحصر نذكر بان مسلسل عازف الليل اللبناني في نهاية السبيعينات من القرن العشرين كيف استطاع المخرج ان يبث في نفوسنا الرعب بمشهد القتل وبامكانيات وتقنيات بسيطة جدا . المخرج سامي الجنادي اثبت لنا بان عينه لم تكن ثاقبة بما يكفي لانه مهمل لكثير من التفاصيل والتي هي اساس نجاح العمل الدرامي لان من المعروف بان من يرسم الشخصيات هو المؤلف ومن يبنيها هو المخرج وتقف شخصية الممثل بين هذا وذاك والذي يضع بصمته في جسد العمل بما لايرقى للشك من الاشادة او التقريع التي تصاحب العمل بالنسبة للمشاهد المختص او المشاهد العادي لكننا للاسف في درامتنا العراقية غياب تلك البصمة التي تدل على الممثل والمنضوية والمسحوقة بين المؤلف والمخرج واحيل هذا التساؤل الى المتصدين في عالم الدراما العراقية.
فكان على كادر مسلسل (ابو طبر) يتصدرهم المخرج ان يتفادى تلك الهنات التفصيلة. من قبل كان المشاهد العراقي محكوم بمشاهدة مؤدلجة لايستطيع المقارنة لانه لم يجرب الاخر ولايحدث فعل المقارنة مالم تجرب الاخر وبعد الانفتاح الذي شهده العراق يستطيع كل مشاهد بضغطة بسيطة على جهاز التحكم ان يتنقل بين الشاشات وعليه يستطيع ان يحدد بدقة ما بين الغث والثمين والمشاهد العراقي تواق الى ان يرى مبدعوه يغازلون مشاعره بلهجة محببة وبيئة قريبة على نفسه اكثر من كل ابداعات العالم الاخرى لكن للاسف لاتزال الدراما العراقية تحتاج الى الكثير من النضج لخوض نزالات المنافسة مع مثيلاتها .
ساوجز بعض ملاحظاتي
البيئة : لم تتوفر البيئة العراقية لافي الشارع او المقهى او المنازل ولافي اقبية السجون وقد ااذت كثيرا البيئة السورية المصور فيها المسلسل مجمل العمل الواقعي للمسلسل .
الازياء: لم تكن تتوالم مع فترة السبعينيات من القرن العشرين باستثناء الفنان ذو الفقار خضر بزيه اليتيم والذي لم يستبدله بطيلة المسلسل والذي لا يتناسب مع عائلة غنية في بغداد زمان.
الموسيقى التصويرية: لم تكن موفقة في بعض المشاهد وخصوصا في حالات الرعب وكذلك زج اغنية الفنان ياس خضر(مو حزن) في مشهدين متعاقبين في احدى الحلقات افضت نشازا على وقع المشهدين.
الماكير : اشد التفاصيل بؤسا فالسجين راهي الفنان (ميثم صالح) يسجن في دهاليز المخابرات ولفترة ويخرج منها بذقن طويل وملابس لم يطاء عليها اي تغير لم تتسخ او تمزق (عرقجين واليشماغ والقميص والملابس الداخلية ) غير متسخة ولم تبلى وهذا ينطبق على الكثير من تفاصيل الالبسة على طول المسلسل.
شارب المحقق العميد زهير الفنان خالد احمد مصطفى ظهر في احد المشاهد قصير ولاحقا ظهر بطوله المعتاد
الوحم على حنك زوجة (ابو طبر) ساجدة ظهر مرة في اليسار ومرة في اليمين وكلما تقرب منها الكامرة تهدل بشفتيها بحركة فجة كان على المخرج الانتباه لها
اللهجة : من المعروف ان اهالي المسيب يتكلمون اللهجة الفرات اوسطية وهي تختلف عن اللهجة الجنوبية لكن عائلة (ابو طبر ) تكلموا بلهجة جنوبية كان على الممثيلين الانتباه الى هذه الجزئية وتذكير المخرج كونه سوريا لا يتقن اللهجات العراقية .
كذلك في احدى المشاهد ياتي (ابو طبر) ويسلم على اولاد اخته فيسال احدهم (شلونك)يجاوبه الطفل (مليح)باللهجة السورية.
التوقيت : اعلان عن مسك عصابة (ابو طبر) في التلفزيون العراقي الوحيد انذاك في الحلقة التي تليها يطلب (ابو طبر) من العميد زهير ان يتصل بالنائب يقصد به صدام حسين وسعدون شاكر ويوصل لهما رسالة مفادها بانه موقوف لديهم وهذه مغالطة زمنية اراد الكاتب ان يخلط اوراق المتاهة ليشعرنا بان هناك اشارة لتواصل الجرمي مع قطبي الاجرام انذاك لو كانت قبل الاعلان التلفزيوني لكانت اكثر توفيقا.
الفكرة: اراد الكاتب وبذكاء واضح وقدرة فنية على الايحاء بان هذا المجرم يرتبط بصورة او اخرى مع نظام التصفيات الذي انتهجه صدام حسين انذاك للتخلص من مناؤيه او الواقفين عقبة في طريق تسلقه الى التمسك بكرسي الحكم والى الابد لكن الكاتب وقع في مطب حسب تصوري اذا جعل (ابو طبر )زانيا بجثة بعد قتلها لو اقتصرت العملية على القتل والسرقة لكانت الحجة اقوى في ربطه بنظرية المؤامرة وكذلك قتل الشاب المسيحي من الممكن الاشارة بان لعائلته ارتباط بالنظام العراقي انذاك, لكن بتشظي الحالة ربما اراد حامد المالكي ان يتوه المتلقي ولا يحصره بين دفتي النظام والسرقة.
السيمائية : يغلب على طابع الممثلين السيمائية في اداء الادوار وخصوصا الفنان حسين عجاج حيث انه يكثر من الاشارة والحركات الجسدية والتي تتناسب والمسرح اكثر منها في الدراما.
الزمن: ترهل الزمن واضح فاختزلت الحلقات الى 35 دقية تقريبا مع الاسفاف في مشاهد (الفلاش باك) والتي كانت حشوا اكثر مماهي اثراءا للاحداث وكذلك النهاية والبدء في الحلقة التالية استغرقت كاقل تقدير 5 دقائق وخصوصا في الحلقات العشر الاخيرة.
الحوار : كنت اتوق الى ان الحوار بين (ابو طبر) والمحقق يكون ذا بعدا فلسفيا اكبر مما ظهر لنا لان الذروة كانت تكمن في تلك المشاهد التي تجمعهما وهي خلاصة المعركة الفكرية والاحداث.
على الرغم من كل هذا احيل مشاهداتي التي اوصلتني لان اعتبر بان المسلسل لم يرتق الى مستوى الدعاية له رغم انه على ما اعتقد كان افضل دراما عراقية انتجت لنا في هذا الموسم احيل تلك المشاهدات الى عين اكثر تبصرا عين فنية تملك القلم والتقويم وتحفر في معول فني وتنقب بصورة بعيدة عن المجاملة يملائها الحياد لتؤكد او تنفي ملاحظاتي كمتلقي تلك العين التي ترسم لنا مشاهد المسلسل بريشة تجريدية لا تجامل لاننا بامس الحاجة الى ثقافة مشاهدة ونقد بناء لننتشل واقعنا المتردي بكل مفاصل الحياة والمتشبثين به بابراج عاجية لا نزال نعتقد بما اننا تملك نهرين واسد فنحن في مقدمة الحضارة والتي نحتاج في الواقع الى الركض كثيرا الى الامام لنلتحق بركبها.
قدمت رؤيتي عن مسلسل (ابو طبر)من زاوية اخرى زاوية العين الراصدة الذي لا تميل الى المتعارف حتى تركن بهدوء فيما العجلة تتقدم مسرعة تلك العين البناءة والمرتكزة على اساس لا يقبل التطويع والتمييع لنتمكن ونحن نجول بين طيات الحياة ان نامن من السقوط بين انقاض البناء ونصعد جميعا الى القمة كل حسب مسافته مرسومة فوق شفاهنا بسمات وفرحات باننا قد بدائنا للتو نلتقط انفاس الرحيل الى الامام.
وفي الختام لا يسعني الا ان امتدح قولا وكتابة المبدع حامد المالكي الذي يحاول جاهدا ان ينقل الدراما العراقية الى واقع اجمل وابهى وسنتذكر والتاريخ محاولاته السابحة في بحر احلامنا واحلامه تحت سماوات متبدلة تنخر لنا الغيوم الكئيبة ليحل المطر ونحتفي بخصب الارض.
المهندس
احمد طابور
hachem85@hotmail.com


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  (حين وقفت الحرب) كنت ألعب البليارد في محل ماجد النجار في منطقتي القديمة، حي الأمانة، وكنت لاعبا قويا، ولكن مثل الحياة، حتى اللاعب القوي في...