السبت، 17 سبتمبر 2011

ملاحظات عامة في الانتاج الدرامي العراقي


مروان ياسين الدليمي      
نقلا عن موقع الناقد العراقي

وانا في صدد التعليق بشكل موجز على  الانتاج الدرامي التلفزيون العراقي . . في البدء اقول ان الدراما العراقية التلفزيونية لازالت لاتمتلك شخصية خاصة بها كما هو الحال مع الدراما المصرية والسورية وايضا المغربية التي لم نلتفت لها بسبب حاجز اللهجة المغربية التي لم نتعود عليها بعد  .


فالدراما العراقية تسعى دائما لاستنساخ مايتم انتاجه سواء في مصر او في سوريا ، وهذا على الاقل يظهر بشكل صارخ في الموضوعات التي يتم تناولها ( الحارة الشعبية ، دور الضباط في صنع تاريخ العراق السياسي . المطربات وعلاقاتهن مع علية القوم من الشخصيات السياسية . الخ ) والى جانب هذا الاستنساخ الذي اضر كثيرا في بناء دراما عراقية ذات خصوصية وملامح  عراقية فإن الجانب الفني هو الاخر يعد المشكلة الاساسية التي عادة ماتعجل في القضاء على اي ( سيناريو )يمكن ان تتوفر فيه عناصر درامية ناضجة لدى كتاب مشهود لهم بالخبرة والدراية الحرفية  كما هو الحال مع صباح عطوان وحامد المالكي على سبيل المثال .
 والجانب الفني نقصد به  ( الاخراج + الاضاءة + التمثيل + الانتاج ) فكل عنصر من هذه العناصر الفنية لم يصل المشتغلون فيه الى مستوى عال من الحرفية الى الحد الذي يمكن ان يضيف (فنيا)  الى ماهو موجود في النص من امكانات درامية بل على العكس نجد هذه العناصر قد ساهمت في مجمل الاعمال العراقية المعروضة باضعاف نقاط القوة الدرامية التي توفرت في تلك النصوص .
ولو اخذنا كل عنصرعلى لوحده وتأملنا فيه لتوضحت الفكرة التي نود الوصول اليها : فالمخرجون العراقيون بشكل عام( الذين يعملون في اطار الدراما التلفزيونية تحديدا )  لاتشكل حركة الكاميرة ولاحجم اللقطة بالنسبة لهم مفردة تعبيرية يصوغون من خلالها بلاغة جملهم الاخراجية . فالمهم بالنسبة لهم ان تكون الشخصية والحدث موجودان امام العين ضمن اطار اللقطة. وليس مهما الحجم والزاوية او حركة الكامرة التي يتم الرصد والرؤية بها .
 اما مايتعلق بالتمثيل فمازال معظم الممثلين العراقيين يتسمون بالمبالغة والافراط في التعبير ( الفعل ورد الفعل/  الاستلام والتسليم ) ولم يتكيفوا مع ماتفرضه حساسية العدسة وقدرتها على التقاط ادق التفاصيل التعبيرية التي تتشكل على الوجه والجسد البشري دون حاجة لان يبذل الممثل جهدا( جسديا ) واضحا ومبالغا به لكي يقنعنا بصدق مايقوم به  وهذا يعود في مسؤوليته ايضا الى المخرجين العراقيين لانهم لايبذلون جهدا في تنظيم جهد الممثل التعبيري وتكثيفه ليبقى جهدا ايحائيا غير مباشر في التعبير والبوح وغالبا مايتولى الممثل  بناء الشخصية دون رقابة وتنظيم المخرج .
 اما مشكلة الاضاءة فهي الاخرى مازالت لاتتعدى من حيث الفهم لدى اغلب العاملين سوى ( انارة المكان ) وليس اضاءته دراميا وفقا لما تقتضيه الفكرة الفلسفية التي يسعى الى تأكيدها المخرج . مما يعني العمل على بناء معمارية ضوئية تتوخى خلق تدرجات ضوئية ولونية وفقا للفكرة الدرامية التي يسوقها الموقف داخل المشهد وارتباط هذا الشكل الدرامي داخل المشهد الواحد  مع السياق العام او الجو العام للعمل الفني .
 ويبقى عنصر الانتاج ، مشكلة المشاكل في الدراما العراقية المتلفزة ذلك لانه  يدير العملية الانتاجية كلها بطريقة تخلو من التحضير المسبق الذي قد يستغرق اشهرا واعواما لدى شركات الانتاج المحترفة في الدول الاخرى ،اضافة الى غياب الدقة التاريخية في مفردات وعناصر الانتاج وهذا مايتعلق بالاعمال التي تتناول فترات زمنية ماضية ، سواء كانت بعيدة او قريبة . كما ان الانتاج يفتقر غالبا الى الفقر الواضح في تأثيث المشهد بقطع من اكسسوارات وديكورات غالبا ماتكون رديئة وغير متوافقةمع بقية المفردات سواء من حيث (اللون والشكل والاسلوب ) وهذا مالايمكن للمتفرج المعاصر ان ينطلي عليه بعد الان  . .
وعودة الى الباعث الذي حفزني لكتابة هذا  المقال والذي هو :   صوت المطربة (شوقية )الذي بات امراً مقررا ومكررا وبشكل ممل في العديد من المسلات العراقية التي انتجت في الاعوام الاخيرة خاصة تلك التي انتجت في سوريا. مع ان صوت هذه المطربة عندما يقارن بصوت اخريات غيرها لانجد فيه ماهو مميز او ملفتا للاسماع بل ان فيه عدم تمكن في تقنية اداء المقامات رغم عملها في بداية مشوارها الفني في فرقة الانشاد العراقية مع مطلع سبعينيات القرن الماضي !  ويمكننا ان نقول ــ مع احترامنا الشديد  لشخصها الكريم ــ ان مايشفع لها في الحضور والتواجد انها في يوم ما غنت الى جانب المطرب الكبير فؤاد سالم في اغنية ( ياعشكنا ) التي مازالت كلما سمعناها تحظى بنفس الوهج والبريق ( اقصد الاغنية ) . هذا هو فقط كل تاريخ المطربة شوقية ولاشيىء اخر تملكه ــ بعد هذه الاغنية ــ يستحق ان نستمع ونصغي اليه .
 فما هو السر العجيب الذي يدفع مخرجينا لان يصروا على استخدام صوت لايملك اية مقومات فنية يمكن ان  تميزه عن ابسط واقل المواهب النسوية في العراق !  إذ لا يكفي ان تكون مطربة يسارية التفكير والهوى لان تفرض على تايتلات الدرما العراقية ! لايكفي هذا .. مع بالغ تقديري للفكر والتاريخ اليساري السياسي والنضالي في العراق . .
ان تطور الانتاج الدرامي العربي ( السوري والمصري ) على سبيل المثال وتعدد القنوات الفضائيةــ عربية واجنبية ــ  ساهم الى درجة كبيرة في ارتقاء الذائقة لدى المتلقي ولم يعد بالامكان استغفاله والضحك عليه بطرق واساليب كنا قد تعودنا عليها ايام كانت لدينا محطة تلفزيونية واحدة رسمية،كنا مرغمين على مشاهدة ماتعرض لنا ، مهما كان ماتعرضه علينا ،  سطحيا وهزيلا .  



                             
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  (حين وقفت الحرب) كنت ألعب البليارد في محل ماجد النجار في منطقتي القديمة، حي الأمانة، وكنت لاعبا قويا، ولكن مثل الحياة، حتى اللاعب القوي في...