الاثنين، 12 سبتمبر 2011

الدراما العراقية تحاصر نفسها بعيدا عن مشاهديها

تدور في إطار السياسة والعنف ونبش الماضي القريب











إيناس طالب ومحمد هاشم في أحد مشاهد مسلسل «فاتنة بغداد»












الفنان قاسم الملاك في أحد مشاهد مسلسل «سايق الستوتة»
 نقلا عن الششرق الاوسط اللندنية
لندن: حميدة العربي
ما زالت الدراما العراقية منذ 2003 تدور بنفس الدائرة التي حصرت نفسها بداخلها وهي السياسة والعنف ونبش الماضي القريب، وكأن الحاضر خال من المشاكل والأحداث غير السياسية، وبدأت الأعمال الاجتماعية تختفي تدريجيا من دائرة الاهتمام. وصارت الدراما تنتهج نقل الواقع بطريقة الاستنساخ وتنزل إلى مستوى المشاهد البسيط لتستعير لغته وطريقة تفكيره وتساير ثقافته الاجتماعية، بعيدا عن متطلبات العصر ومغذياته الثقافية والفكرية والحضارية التي ترتقي بالوعي وتؤدي إلى التجديد والإبداع وبالتالي التغيير والتطور. وبسبب هذا النهج والإصرار عليه صار المشاهد العراقي يعرف ما ستقدمه له الفضائيات، وهي جهات الإنتاج الوحيدة، فاتسعت المسافة بينهما وبدأ بالعزوف عنها إلى الأعمال العربية والأجنبية.

وكما في كل رمضان فإن أعداد المسلسلات تجاوز الحد المعقول مما أدى إلى تأجيل البعض منها. وكان العنف والسياسة ومساوئ النظام السابق من القواسم المشتركة بين كل الأعمال التي عرضت هذا العام، باستثناء ما قدمته قناة «الشرقية» التي تميزت بنهجها الواضح في الدراما وهو التركيز على الحاضر، العراقي، ونقده بأعمال، جادة أو كوميدية، بالإضافة إلى تناول سيرة بعض الشخصيات أو الرموز العراقية. فقدمت هذا العام مسلسل «الباب الشرقي» حول الشباب المحتجين في ساحة التحرير ببغداد. والمسلسل الكوميدي «سايق الستوتة» للفنان قاسم الملاك الذي يكرر فيه أسلوبه، تأليفا وأداء، في نقد بعض الظواهر الاجتماعية. أما مسلسل «فاتنة بغداد» فقد تناول حياة المطربة الرائدة عفيفة إسكندر. ورغم إيقاعه الرتيب وتحريف بعض الأحداث والاهتمام بالخط السياسي، فإنه يظل ذا نكهة مختلفة وسط فوضى السياسة والعنف.
وقدمت قناة «العراقية»، الرسمية، إضافة إلى مسلسل ريفي، ثلاثة أعمال، تعرف ماهيتها ومحتواها من عناوينها، فهي تدور في زمن النظام السابق، وهي غربة وطن، والهروب المستحيل، وسنوات تحت الرماد. ورغم أن هذا الأخير يدور في الوقت الحاضر فإن أبطاله يعانون من تبعات ما تعرضوا له أيام النظام السابق. وتميز السيناريو بالتقليدية في الطرح والمعالجة ومحاولة النقر على السطح دون الغوص قي الأعماق، فقد جعل الفاسدين تجارا من خارج المؤسسة الرسمية والمديرين هم الشخصيات الإيجابية، النزيهة! وبذا أفقد العمل ميزة الصراع، فلو جعل المنافسة، داخل المؤسسة، بين المديرين أنفسهم، النزيه منهم والفاسد، وكل له شبكة من العلاقات خارجها، لساهم في تأزيم هذا الخط وأذكى حدة الصراع فيه. لذا اضمحل هذا الخط في النهاية وتم التركيز على اكتشاف الأصدقاء لحقيقة كل واحد منهم وصدمتهم ببعضهم البعض. ويظل إخراج فارس طعمة التميمي وحركة كاميراته المدروسة، وكوادره الجميلة واختياره لمواقع التصوير الأصلية في بغداد، وكذلك حضور نخبة متميزة من الفنانين، المخضرمين والشباب، أهم ما ميز العمل. وقد ساهم قيام القناة بتنفيذ الإنتاج بنفسها، دون اللجوء إلى المنتج المنفذ، إلى إظهار القيمة الجمالية للمكان وتأثيره الدرامي على مجمل العمل. وبهذا أنهت القناة حقبة من الإنتاج الهزيل، حين كانت مواقع التصوير عبارة عن دكاكين أو خانات تغطيها الستائر.
قناة «البغدادية» قدمت، إضافة إلى عمل كوميدي، لا يعرف له معنى أو هدف، أربعة أعمال يدور بعضها في الماضي القريب، وهي «وكر الذيب»، «أبو طبر»، وبعضها عن الحاضر السياسي مثل، «طيور فوق أجنحة الجحيم» و«أيوب».. وفي هذا الأخير يعود الكاتب صباح عطوان، بعد انقطاع لسنوات، لينقل للمشاهد العملية السياسية في العراق منذ مارس (آذار) 2003 وما جرى بها من أحداث وصراع بين الساسة حول المناصب والنفوذ والاستيلاء على عقارات الدولة والأموال.. إلخ، وبطريقة حرفية تقريبا، فبدا العمل وكأنه فيلم وثائقي أعيد تجسيد الأحداث فيه، تمثيلا، مع تغيير الأسماء فقط! أما مسلسل «أبو طبر» والذي أثار جدلا واسعا، قبل إنتاجه وعرضه، فالبعض يرى أنه جنائي بحت والآخر يرى أنه سياسي وأن شخصية أبو طبر من صنع النظام، لإثارة البلبلة وإشغال الناس عن ممارسات النظام بتصفية خصومه. ولأن كل حدث قابل للتأويل وعرضة للإشاعات والتفسيرات، فقد حظي أبو طبر بالكثير من هذا وذاك، وهذا ما طرحه المسلسل، إلا أنه ركز على الجانب السياسي والصراع بين أجهزة الأمن وادعاء كل منهم بقدرته على إنهاء ملف أبو طبر بأسرع وقت!.. والمسلسل من إخراج سامي الجنادي وتأليف حامد المالكي الذي يطرح في أعماله مواضيع مهمة إلا أنه غالبا ما يعالجها بطريقة بعيدة عن السياق المنطقي للأحداث، ويذهب بها في تفريعات جانبية لا تخدم الحدث الرئيسي في كثير من الأحيان كما حدث في أبو طبر. فهذه شخصية حقيقية وأحداثها واقعية أرعبت أهالي بغداد بجرائمها بين عامي 73 - 74 ولأن حيثياتها، في ملفات الشرطة، ثابتة ومحددة والضحايا معروفون، لذا لجأ المؤلف إلى ابتكار شخصيات افتراضية يدعم بها عمله، لكنه اختار هذه المرة الشخصيات الخطأ، التي لا علاقة لها بـ«أبو طبر» ولا بضحاياه، مما أضعف الجانب الدرامي في هذا الخط.. مثل شخصية فتاح اللص وعائلته وصديقه وبائع الطيور. وكان الأجدى، دراميا وإنسانيا، أن يركز على الضحايا، حياتهم، اهتماماتهم، أحلامهم.. قبل أن يأتي أبو طبر ويغتالها. إلا أنه انشغل بالشخصيات الهامشية وجعل المشاهد يتعاطف مع اللص فتاح بجعله ضحية السلطات التي أجبرته أن يدعي، أمام الرأي العام، أنه أبو طبر بعد عجزها عن إلقاء القبض على المجرم الأصلي. وركز كذلك على بيت الدعارة، ومشاكل النساء بداخله، والذي لا علاقة له بالحدث سوى أن بعض ضباط الاستخبارات يترددون عليه، فلو جعل أبو طبر يتردد عليه، أيضا، ويلتقي هؤلاء الضباط دون أن يعرفه أحد، لمنح الأحداث تشويقا وإثارة وأظهر هشاشة الخطط الأمنية المتبعة في البحث عنه.. خصوصا أن أبو طبر له مغامرات من هذا النوع. وكذلك شخصية طبيب رئيس الجمهورية، ليس لها تأثير درامي على الأحداث سوى ليخبر المشاهد أن الرئيس بلا سلطة فعلية ولا يعرف شيئا مما يحدث.
وحاول المؤلف دعم شخصية أبو طبر بجعلها أداته، غير الاعتيادية، لتعرية ومحاسبة الوضع القائم. وعاملته الشرطة كسجين فوق العادة، وميزته على بقية السجناء، فهو الوحيد الذي يرتدي بيجامة نظيفة براقة! ويسخر من الضباط ويكيل لهم الإهانات ولبعضهم الضربات، دون أن يرد عليه أحد أو يعاقبه، بل يستمعون إليه بإصغاء لا يخلو من إعجاب، وهو يلقي عليهم محاضراته الفلسفية! وكان المفروض أن ينتهي المسلسل عند الحلقة 22 بعد إلقاء القبض على أبو طبر واعترافه بجرائمه وعرضه أمام الناس على شاشة التلفزيون، وينتهي أيضا دور اللص فتاح بعد التأكد من أنه ليس أبو طبر. إلا أن المؤلف ظل يتابع علاقاته وتصرفاته السيئة دون أن يربطه بالحدث الرئيسي أو بشخصية أبو طبر.. وأراد، بعملية السطو الأخيرة التي قام بها فتاح مع رفاقه على بيت يحوي جثة طبيب الرئيس، تقديم دلالة صارخة على أن هناك أكثر من أبو طبر ما زال يسرح في بيئة يهيمن عليها الخوف والموت! وتميز الإخراج بحرفية عالية، خصوصا مشاهد ارتكاب الجرائم باعتماد اللقطات القصيرة المتلاحقة والإيقاع السريع والزوايا المبتكرة لكاميرا لاهثة، تسندها موسيقى تصويرية معبرة وموائمة للحدث.. لكريم هميم.
وفيه تحدى الفنان كاظم القريشي نفسه وكسر قالب الإنسان الطيب الذي عرف أو وضع به، وقدم واحدا من أهم أدواره، أبو طبر، وتألق به خصوصا في الحلقة الأخيرة وهو ينتظر مصيره المحتوم. ومشهد وداعه لأمه، الفنانة سليمة خضير، من أجمل المشاهد، إخراجا وأداء وحوارا، توازنت فيه، دراميا وعاطفيا، مكابرة المجرم وادعاؤه مع عذوبة الأمومة وهيبتها.
وشهدت دراما هذا العام دخول الأكراد على الخط، فبعض الأعمال جرت أحداثها في المناطق الكردية واشترك فيها فنانون أكراد، تحدثوا بلغتهم الخاصة، وهي التفاتة إيجابية لترسيخ العمل المشترك بين الفنانين العراقيين.. على أمل أن لا يقتصر الموضوع على الأحداث التي تدور في زمن النظام السابق فقط! فقد ملّ المشاهد العراقي من العنف والسياسة ومن الاستهانة بذوقه ودوره!

 

هناك تعليق واحد:

  1. سلام عليكم اخي مع الاسف اليو ماصبحت الدراما العراقية ظعيفة جدا خصوصا في الوطن العربي
    لم نشاهد اي قناة فظائية تعرض مسلسل واحد وهذا يدل ان الدراما العراقية بدئت بل الانكسار بين الدول العربية ومع
    العلم ان الدراما العراقية اقظل الدراما في الوطن العربي لو استغلينه الفرصة الحقيقية وشكرا الك

    ردحذف

  (حين وقفت الحرب) كنت ألعب البليارد في محل ماجد النجار في منطقتي القديمة، حي الأمانة، وكنت لاعبا قويا، ولكن مثل الحياة، حتى اللاعب القوي في...