الجمعة، 26 أغسطس 2011

مسلسل أبوطبر: التاريخ يسير على عكازات

First Published: 2011-08-26



جرأة المؤلف حامد المالكي تجسدت في اقتحام الممنوع الاجتماعي التلفزيوني لنقل الصورة التي تعكس الواقع العراقي المشوش.

ميدل ايست أونلاين

بقلم: كاظم اللامي
ان الكلمة في الحياة هي دوما وسيلة يحاول بها الانسان اجراء هذا التغيير او ذاك في وعي المستمع “بوريس زاخوفا”.
ما نراه متحققا على مدار التاريخ الدرامي العراقي وهو ما يهمنا في ان نسلط الضوء عليه من خلال هذه السطور وكتابة رؤية عامة للمسلسل العراقي "ابو طبر" وهو من تاليف الكاتب العراقي حامد المالكي واخراج باسم الجنادي الذي يستحق ان نقول عنه انه الاشراقة التي غطت على كل الاخفاقات وهو الحكاية العجيبة التي لو كتبت بالابر على آماق البصر لكانت عبرة لمن اعتبر.

بالامكان ان نؤرخ لكل عقد من الزمن الدرامي العراقي اشراقة براقة تاخذ بالعيون والالباب وتكون ماركة مسجلة باسم منجز فني درامي ففي الستينات لايمكن ان يختلف اثنان على اعتبار المسلسل الخالد “تحت موسى الحلاق” شاهد على الابداع ثم ياتي عقد السبعينات ومسلسل “جرف الملح” ثم في عقد الثمانينات ومسلسل ”الذئب- النسر وعيون المدينة” ثم في عقد التسعينات كان هناك”ذئاب الليل” واخيرا في عام 2011 وهو جوهر ومرتكز حديثنا والنتيجة الطبيعية للمقدمة الا وهو مسلسل “ابو طبر”.
النص عبارة عن لوحة جميلة رسمت بريشة شاعر، وكانه سجاد كاشاني من الطراز الاول، نص اجتمعت فيه عناصر الشد والجذب بطريقة تأخذ بالالباب منطلقة بها الى فضاءات رحبة وواسعة وباجتماع عوامل السرد الدرامي المبني على الحوار المليء بالمحطات المضيئة في طريقة سلسلة تصل للمتلقي دون ان تكون هناك ملاحظات تسيء له.
العنوان “ابو طبر” عنوان ذكي لمسلسل يمثل حقبة زمنية عاشها العراقيون بكل مرارتها وحلاوتها يستعيدون ذكراها مع كل حادثة مروعة او جريمة قتل مبهمة فكان لزاما على الكاتب “حامد المالكي” ان يسمي المسلسل بهذا الاسم لانه سيفقد الكثير من جمالية المسلسل في لفت الانتباه والشد السحري لو عنون بغير ذلك لما لهذا الاسم من هيئة راسخة لدى المجتمع العراقي والشغل الشاغل لمجتمع حديث عهد بهكذا جرائم مروعة.
شد المنتج والمخرج والعاملين في المسلسل كمرحلة اولى فكان له الاثر البالغ في قوة الاندفاع لديهم والظهور بهذا المظهر ليشد المشاهد بالنتيجة، وهناك امر مهم في هكذا اعمال يكون للتاريخ نصيب كبير فيها والبطل شخصية معروفة وجميع احداث المسلسل تدور حوله.
فمن السذاجة والقصور بمكان ان يكون العنوان يحلق حول شخصية البطل او عنوان تخيلي دون ذكر الشخصية الرئيسية فلذلك كان الكاتب موفقا في عنونة عمله، وهذا اول الغيث ترسله سماء الابداع كما ان الكاتب كان حياديا في ايراد هذا العنوان فلم يقل ابو طبر المجرم او السفاح او القاتل او غيرها من الالقاب مع حقيقتها الواقعية وانما ترك للمشاهد تقييم هذا الرجل من خلال الاحداث، فربما يسميه المشاهد الضحية او المغرر به او المفترى عليه.
ومن خلال الاعمال السابقة يتبين ان هذا هو الخط العام لكل اعمال الكاتب حامد المالكي في عنونتها بعناوين تشد المشاهد وتثير فيه التساؤل كأمراولي قبل المشاهدة الفعلية .
اول شيء طالعنا به المؤلف عبارة عن كلام ملغز اراد ان يعطي به انطباعا للمشاهد بانك امام قضية تتكلم عن معاناة عن مأساة عن قهر عن ظلم عن ضياع وطن باكمله وكل ما تشاهده من ملهاة بين الثنايا ما هو الا انين والم وبكاء وعويل وصراخ فكل ما كان يصدر من البطل فتاح من قفشات كوميدية هي في حقيقتها للمتلقي الفطن هي سيرة لشعب يخفف عن الامه بالضحكة الكاذبة او بالاحرى يضحك لتضليل النظام بانه سعيد او يضحك لواقعه المرير حينما يقارنه بكلام الساسه وعلية القوم فيجد فيه من التناقض ما يجعله مادة للتندر.
نعود للذي طالعنا به حامد المالكي في اول حلقة وهو الحوار الدائر بين صاحب المقهى حقي الشقي وبين ساهر الشاب الشيوعي والذي يبدو انه يمثل شريحة كبيرة من الذين يتعاطفون مع الحزب الشيوعي وهم ليسوا بشيوعيين.
كلمات يجب ان تكتب بالذهب اولا لانها كشفت ان الذي يعمل مع هذه "الزمرة" لايمكن ان يتركها برغبته وهو في جميع الاحوال خاسر لو بقي معهم فكرامته ستكون في خبر كان هذا ان لم يلطخوا يديه بدماء الابرياء واذا تركهم فان مصيره القتل كما انه يؤشر لحالة ايجابية للمسيحيين بانهم عراقيون غيورون قلبا وقالبا على بلدهم ويحبونه قولا وفعلا لا كما يصورهم البعض بعدم جدية ارتباطهم متعكزا على قضية هجرتهم خارج البلد وبشكل جمعي.
وكلنا يعرف ان السبب هو السلطة والحالة الدينية السيئة التي تلبست البعض في فترات معينة من تاريخ العراق كما ان الكاتب اعطى للمتلقي درسا بذوبان هذا المكون المهم في حيثيات المجتمع وانصهاره ضمن باقي المكونات من خلال علاقة الحب بين فتاح ومائدة وامكانية ارتباطهم بالزواج فالسجل المدني سجل لنا زواجات كثيرة من هذا النوع بين المسيحي والمسلم وقد نجح الكاتب في تسليط الضوء على هذه الحالة.
ولدي ملاحظة بخصوص اسم مائدة او ميادة نراه يتكرر في اعمال الكاتب ربما لهذا الاسم وقع خاص عند الكاتب... لا اعلم ربما مجرد تخمين.
ومن خلال الاحداث التي اتقن نقلها بامانة الكاتب حامد المالكي كان هناك مؤشر يتمثل بالحالة المشاعرية التي سيطرت وبقوة على على كل الخطابات الشعبية في المجتمع العراقي الا وهي حالة الخوف والرعب الشديدين والقلق المدمر ومدى سيطرتها على الفرد وعلى المستوى الجمعي نتيجة لمخلفات تراكمية شديدة التاثير وبالاتجاه السلبي لتطفو الى السطح روحية العقل الجمعي في استلهام واستفهام واستنطاق اي قضية طارئة في البلد لتصبح بعد ذلك ديدن وثقافة تحصر المواطن في خانة اسمها الرعب والخوف وكل ذلك من خلال تناوله الاشاعة بدون تحليل.
فاشارت لذلك بادئة تناولتها الشخصيات اسمها “يكولون يكولون” وينتهي المسلسل وهم “يكولون يكولون” ومن خلال عمر المؤلف الذي لم يعاصر الاحداث بشكل واعي لانه كان في الرابعة من عمره وبالتأكيد وهو في هذا العمر غير معني بالاحداث البتة او ربما كانوا يخوفونه بابو طبر حتى ينام مبكرا فلذلك هو مع الاخرين ولسان حاله يقول “يكولون” لانه اكيد استقى معلوماته من خلال الوثائق التي تقول ومن خلال اهله وذوي الخبرة والناس التي عاصرت الحدث وكلهم “يكولون يكولون” مع الاضافات الدرامية التي هي من بنات افكار الكاتب والتي تعطي جمالية للمسلسل في تصاعد الخط الدرامي او لاكتمال الصورة رغم عدم وجودها عينا في تلك الاحداث الحقيقية فقد جمع كل ما سمعه وشاهده بعينه على مدى خمس وثلاثون سنة منذ وولادة النظام السياسي الى زواله لتعميق الصورة وكانه يقول وعلى سبيل المثال مسالة صبغ سيقان النساء او مسالة تفتيش بيوت العراقيين او انقلاب ناظم كزار او قضية عدنان القيسي او مسالة اعطاء الاكراد الحكم الذاتي او تأميم النفط وصراعه مع الشركات العالمية او حرب تشرين مع اسرائيل او بعض الاحداث الاجتماعية والسياسية في فترات متقدمة او متاخرة عن حادثة ابو طبر.
جميع تلك الامور هي بالامكان ان تحدث في زمان ومكان ما من العراق لان النظام نفسه وتسلسل اعماله كان يعمل بتخطيط مسبق مرتب يمكن ان تكون هذه الامور وغيرها قد وضعت على طاولة البحث منذ اول يوم لتسلم السلطة وما بروزها للسطح الا مسالة وقت ليس اكثر.
نعود للاشاعة... بعد كل ذلك تتاكد القصدية في اثارة الرعب والخوف من خلال الاشاعة التي يمتهنها النظام وبحرفية والتي يلصقها بالشعب وبالتالي الحصول على بعض المكاسب السياسية والاقتصادية من خلال فرض منطق معين في الحذر من الحكومة وسطوتها وقدرتها على احكام قبضتها على الامور وان يفهم الجميع بان النظام السياسي قوي لا يتصدع وكل من تسول له نفسه المساس بامن النظام ستكون نهايته الموت.
وكان الكاتب دقيقا بتاكيد مدى هوس الناس بالاشاعة وعلى لسان الشخصيات ان العراق اكبر دولة لصناعة الاشاعة وترويجها من خلال اجتماع الاهالي والاصدقاء وحتى العاملين بالاجهزة الامنية وهم يجتمعون اما في المقهى او الشارع او في بيوتهم او في اماكن عملهم، والقاسم المشترك في جلساتهم هو المخدرات العراقية الثلاثة العرق والسكائر والشاي التي تكرر ظهورها كثيرا وكأن الكاتب يقول هذا واقع شعبنا الذي شمسه لن تغيب وفعلا لم تغب حتى في الشتاء ليحترق بين نارين نار المناخ الصحراوي ونار عتاة الصحراء وملوك البداوة وحكام القرية ولكنها غابت ككرامة ورفاهية وتقدم علمي واجتماعي وثقافي.
وهذه المشروبات الثلاثة هي دليل الواقع المحبط للفرد العراقي فالكل يريد ان يرمم نفسه او يتناسى واقعه او عملية للهروب.
وكل ما تقدم ذكره من اشاعة الخوف والرعب وسط المجتمع وترويج الاشاعة كان لاجل امرين الاول تكلمنا عنه وهو ضبط المجتمع وجعله يمشي بنظام عسكري وكأنه في ساحة عرضات لتصبح ثقافة الخوف والإشاعة المسيسة مدعاة للانضباط في تناول الامور العامة وتحليلها في الاماكن المفتوحة والعامة وهذا ما يؤكده شخصيات المسلسل بــ “الحيطان الها اذان”.
والامر الثاني التغطية على المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمشاكل المتفاقمة نتيجة النهج الخاطئ لهذا النظام البوليسي الذي حكم العراق والعراقيين بالحديد والنار.
كما يجب ان لا ننسى ما اشره الكاتب بخصوص هوس النظام بخلق اعداء وهميين نتيجة الخوف من الجميع وعدم ثقته بهم لكونه قد غدر بجميع من كانوا معه في هجمته على نظام الرئيس عبدالرحمن فراح يرمي الواحد تلو الاخر في اتون انتقامه السادي وما عملية التجسس على دكتور الرئيس أحمد حسن البكر وجعله هو وعائلته معارضة للحكم الا نتيجة طبيعية لهذه الانتهاجات الخاطئة في التعامل مع الاحداث، هذا من جهة ومن جهة اخرى لعلمه انه نظام مخالف لكل القوانين الدولية والتي بالنتيجة تؤدي به للتقاطع مع العالم ومن ثم تصور كل حدث غير طبيعي يحصل في العراق هو محض مؤامرة ومن فعل الاعداء الوهميين المخترعين في مخيلة مجبولة على عدم الثقة.
وفي المحصلة النهائية تتولد الثقة لدى المواطن بهذا النظام ليخنع ويكون اداة طيعة بيده مرددا “عاش العراق عاش القائد عاش الحزب...” ومما يقوي هذا التوجه هو المؤسسة الاعلامية المحرفة لكل شيء والتي كانت اليد الطولى في تغيير الكثير من الثوابت لانها امتهنت التزييف سبيلا للوصول الى ما يدعم النظام السياسي وتلميع صورته المشوهة.
وقضية الرشوة من الحالات السلبية التي أورثتها الأنظمة السابقة للمجتمع العراقي والتي لا زالت تسبب ضياع الكثير من الحقوق وتعطيل الكثير من الواجبات فكانت اشارة فاعلة ومعبرة من قبل الكاتب بانها تهمة تطال حتى الذين يتشدقون بالخصال الحميدة .
بعض ما يجري الان على الساحة السياسية والاجتماعية اسقط على احداث المسلسل ليس على اعتبار عدم وجوده في زمن ابو طبر انما لتطابق الحاضر مع الماضي وكأن الكاتب ينقد الواقع من خلال المسلسل ففي نقاش بين عميد زاهر ضابط الداخلية والرائد صبحي حول ضابط المخابرات عميد زهران ومجيء رجال القرية ليتسنموا المناصب السياسية ويتقلدوا الرتب العسكرية وهم لم يتخرجوا من كلية حربية او مدنية او علمية وانما نتيجة لقرابتهم بالرئيس ونائبه او لمشاركتهم بالاطاحة بنظام عارف ليدرج عميد زهران ورفاقه ضمن مقولة بان هناك الف ابو طبر في العراق اي الف صدام والف احمد البكر والف نوري المالكي والف جلال الطالباني والف صالح المطلك ليبدو للعيان ان هناك الف دولة في داخل دولة وذلك لانعدام الاستحقاق العملي والحقيقي للمناصب وهذا ما كان مؤشرا على الصعيد الشعبي فانه بأمكان طباخ او فراش او قواد او سائق لدى الزمرة الحاكمة ان تودع اي شخص في زنزانة الامن ولا يرى النور بعدها فما بالك باصحاب القرار واولي العقد والحل.
أشر الكاتب وبصورة دقيقة لحالة كانت مستشرية في اوساط رجالات النظام ألا وهي حبهم للسهر والطرب والكيف واستدراجهم للنساء في تنفيذ ما يريدونه منهن ان كان في تلبية رغباتهم الجنسية او من خلال استخدامهن كعيون على السياسيين او على عامة الشعب فالجميع كان تحت الناظور مراقب حتى في فراش الزوجية.
وهذا ما اكده حامد المالكي في امكانية النظام في صنع اعداءه ليصبح الشعب كله العدو الاول للنظام والعكس صحيح.
بعض الحوارات كانت تعطي بعدا مأساويا رهيبا لمدى الفقر البطالة التي المت بابناء مكون مناطقي خاص فمن خلال حوار فتاح مع راهي الحرامي والرغبة بالعمل وعن اي عمل يمكن ان يتقنه ليجيبه وبعنف .
جمعة المطيرجي شخصية مختصرة لشريحة كبيرة من العراقيين الذي ادمنوا التزلف للحكومة على حساب الشعب واستخدموا الحكومة للصولة على بسطاء الناس ولكن المحزن والمخجل في نفس الوقت انهم لا يحصلون بالنهاية على اي مردود.
سنورد بعض الامور التي لم تلاقي صدى في نفوسنا من باب ان الكمال لله وحتى لا نوصم باننا نتكلم من جانب واحد وفي صالح العمل.
اولا دخول بعض الشخصيات للاحداث بشكل مفاجئ ولا تعرف من هذا الشخص الا بعد مشهد او عدة مشاهد كما في شخصية جمعة المطيرجي او شقيقه الذي غنى لفتاح وهو في جلسة سكر ولا اعرف لماذا أقحم هذا الطفل في هكذا مشهد .
أخطاء في الحوارات واعتقد انها ليست من المؤلف فالضابط صبحي وهو يقول عندما رأى الحادث الأول “جلب كلب ابن الكلب” فإما يقول كلب أو جلب.
اختفاء شخصيات مهمة وبطريقة سريعة من الاحداث في حلقة واحدة مثل حقي وساهر وام فتاح وعائلة الدكتور باكملها وقهوة حقي بمجملها ودلو وبنتها وخادمتها وابو مائدة وابنته وابن عمها يشوع رغم اني اجد مبررا لها وهو اعطاء الفرصة للاحداث كي تسلط على ابو طبر للتوسع والانطلاق وحتى لا تفقد توازنها وكذلك لتوثيق قضية ان النظام لديه القدرة على اخفاء العراقيين في طوامير مجهولة وبلمحة عين .
في حوار بين دكتور صائب والدكتور مؤنس عندما اخبره عن حالة ابنته وهل يمكن ان يعرف احدى صديقاتها كي يعرفوا ما الذي بها فقال الدكتور نعم ساتصل بصديقتها ليسحب التلفون ويتصل واذا به نراه يتكلم مع وليد وليس مع صديقة بشرى .
لم يعمق الكاتب من خلال حواراته طبيعة الشخصيات الثقافية للشيوعيين ساهر وابن الدكتور او ابنه الاخر الاسلامي وكأنهم تأكيد لما اردنا قوله في البداية كما اننا لم نجد ما يؤكد ان هناك معارضة ومقاومة للنظام لا اعرف هل ليقين الكاتب بخلو العراق ممن لديه الشجاعة لتحدي النظام ام لضرورة درامية ربما تسحب المشاهد لغير ما خطط له وهذا ما ارجحه .
اظهر الكاتب لنا البعث هزيل ضعيف كما في جمعة وفوزي ومناف طالب ولا يملك من الموظفين المحترفين ممن يمكن ان نقول ان هناك دولة وتظهر لنا المهنية والاحترافية في الجانب الحسن من الموظفين مع علمنا ان اولي السيئات هم من كان على درجة عالية من الذكاء والا كيف تهيء لنظام ظعيف ان يحكم بهذه القبضة الفولاذية على مدى خمس وثلاثون سنة ولولا امر الله واميركا لما انزاح النظام وتوارى خلف العدم .
هناك مشاهد متكررة لم تات بجديد الغاية منها اطالة زمن المسلسل رغم جماليتها التي لا انكرها وقد ذابت ضمن الخط الدرامي المتسارع لتشكل في النهاية اضافات تعطي جمالية له وعلى سبيل المثال مشهد دخول مفوض الشرطة ”نعمان“ والسجان لفتح باب السجن والدخول على ابو طبر.
وهناك احداث اوجدت لغرض لا اعلمه لتنتهي لغرض لا اعلمه ايضا مثل خطة فتاح في استدراج هيفاء وابتزازها والوصول الى بيت دلو والمساومة للعمل في بيت دلو عندها توقعنا ان تكون احداث جميلة تجمع دلو مع فتاح الا انها تنهره وتطرده من البيت لتطرد هيفاء من بيت دلو وايضا من بيت فتاح وتنتهي الحادثة الموؤدة ”واذا الموؤدة سئلت باي ذنب قتلت”.
كما ان شخصية هيفاء تبدو للعيان شخصية ترضية كما السياسة الحالية المنتهجة في العراق لم يكن لها تاثير في تاجيج الاحداث وتصاعد الخط الدرامي ولكن ربما اراد الكاتب ان يملا بها الفراغ الذي تركه فتاح وامه وايجاد المبرر لتغير فتاح اجتماعيا واخلاقيا من خلال الزواج بها .
ربما بعض الناس لا يحبذون مشاهدة جوانب أوردها المسلسل لها خلفية منكرة لديهم ضمن السياق الشرعي وبالذات ونحن في شهر فضيل اسمه شهر رمضان مثل محاولات جمعة للنط على سطح اخت فتاح والجلوس معها واستكانتها امامه وتكلمها معه كثيرا، او ذكر ابو طبر لصديقه في الخدمة ضياء الذي كان جميلا وموضع اعجاب له معناه لدى الشعب العراقي من قبل ضابط السرية والذي يقودنا الى حسابات تطال البطل ابو طبر وشخصيته او عملية الزنا التي مارسها ابو طبر مع احد الضحايا وطريقة فتحه للحزام او الرحلة الجنسية الحمراء التي سافرا بها فتاح وهيفاء على جناح من الغرابة قبل زواجهما وكأنها اشارة الى اكثر الزواجات التي ترتكب فيها الفاحشة قبل القران ولا ننكر ان هذا الامر متوافر في هكذا بيئة منغلقة.
هنا برايي تتاكد جراة الكاتب في اقتحام الممنوع الاجتماعي التلفزيوني لنقل الصورة التي تعكس الواقع .
كما ان المشاهد المتكررة لشرب الخمر افقد الصائمون متعة المشاهدة!! رغم اني أوردت في بداية التعليق ان شرب الخمر هو نتيجة الإحباط والهزائم المتتالية والمتوالية التي ألمت بالشعب .
تعقيبا على ما قلنا انفا انا ادافع عن شرعية ايراد هذه المسائل وعدم الحرج منها حيث ان القران الكريم لم يتحرج في ذكر الزنا واللواط وشرب الخمر والسرقة والقتل فعلى القران حلال ان تذكر وعلى حامد المالكي حرام؟ مالكم كيف تحكمون .
يجب ملاحظة ان ما اوردناه لا يؤثر بقيمة العمل وربما ليست من وضع الكاتب او ربما اجتهاد من المخرج وربما اخطاء تمثيلية .
ابو طبر وهو محور المسلسل ومحور المقالة شخصية قوية طول فارع قوة عضلية لياقة بدنية ذكاء حاد فهو يقرا افكار الاخرين من خلال عيونهم كما قالت زوجته رغم ان عمره تجاوز الاربعين شخصية متناقضة تراه سادي تارة رؤوف تارة اخرى قوي في لحظة القتل ضعيف امام الثروة والمال فقير الحال جميل الهيئة والأناقة المميزة ارستقراطي حينما سافر الى المانيا وعاد حاملا الأفكار والمشاريع والحرية والعيش بسلام لنراه ينتقم من جميع الارستقراطيين ثم يتحول نحو البسطاء من خلال ضربه المبرح لبستاني بيت الدكتور.
شجاع وجريء وذكي ليسقط هذه السقطة على يد الشرطة وبكل سهولة وحقيقة في هذا المورد اذا ثبت لهذه الشخصية انها وقعت بيد الشرطة على هذه الشاكلة الساذجة ولخلفية ما عرفناه من ذكاء وقوة ابو طبر اذن هناك في الامر سعة خيال غير مبرر اذا كان من الكاتب او كان تلفيقا في الوثائق والمصادر او من النظام على سبيل التضليل واخفاء الحقائق وهذا ما ارجحه .
اظهر الكاتب ابو طبر بالمظهر الرومانسي وهو يتابع بشرى بنت الدكتور صائب ليصل به الوله والشغف الى دخول بيتها والنظر اليها وهي نائمة.
في هذا المقام هناك بعض الملاحظات اتمنى لصدر القاريء ان يتسع لها، نحن نعرف ان المخابرات تشك بالضابط وليد وشقيقه الدكتور فقامت بالتنصت على تلفون البيت وربما حتى العيادة ومراقبة كل حركات الداخلين والخارجين من البيت فكيف تسنى لابي طبر ان يدخل البيت بهذه الاريحية والسهولة! الا اذا كان من الجن وحتى لو كان مسخرا من المخابرات في قتل الناس فمسالة دخوله للبيت نتيجة لنزوات العشق والغرام لا تدخل في حسابات جافة كما هي عند المخابرات وربما ان الذي يراقب البيت لا يعرف طبيعة عمل ابو طبر وعلاقته بالدولة كأن الموضوع فيه نوع من المبالغة.
لكنني رغم هذا ورغم ذاك اجد ان المسالة تقودنا لاستكشافات اخرى فكلنا يعرف الحس المرهف للنساء ومدى شغفهن بالرجال ذوي المميزات الجسمانية والعقلية والذين تتحدث الناس عن اعمالهم ومنجزاتهم لتنطبع صورة معينة حالمة في تفكير هؤلاء النسوة وفعلا هذا الذي كان مع بشرى. فمن خلال اثارة اسم ابو طبر امامها والتحدث عنه وعن قوته ورجولته وبطشه ايضا فهنا بدا الخيال يشتغل لديها لترسم له صورة على الورق والتي هي الصورة الحالمة لتتعشقه ويفعل فعل السحر بها حتى ان في كل حوارتها مع الجميع لم تكن تدلي برأي يسيء الى ابو طبر فحبه تمكن منها وهذا التحليل يقودنا الى ان ابو طبر ودخوله الى البيت ومتابعته لبشرى ما هو الا من نسج خيالها الخصب على اعتبار انها فنانة والفنانين اكثر الناس فاعلية وانتاجا من ناحية الخيال والتصور وحتى المشهد الذي حاول قتلها فيه كان من نسج الخيال المشترك ما بين الكاتب والانسة بشرى .
ابو طبر ومن خلال اعترافه تعرض لقضية صديقه ضياء الذي كان يخدم معه في الشرطة ضياء الجميل هنا ادخلنا الكاتب في اشكالية اخرى من خلال العلاقة بينهما فربما تكون العلاقة غير سوية جعلت ابو طبر يستفز لانه احس بانه قد اعتدي عليه من خلال الاعتداء على ضياء على اعتبار ان كل ما له علاقة بشخصه يعتبر من ضمن الملكية الشخصية وضياء من ضمنها فانتفض وقام بالانتقام من الضابط لان اعتداء الضابط لم يقع عينا عليه وانما على احد ممتلكاته وهو ما ارجحه وربما انتحار ضياء كان ليس بسبب ان يفتضح امر محاولة الضابط للنيل منه وانما كان يخاف ان يفتضح امر علاقته بابو طبر وهي حسب تنظيرات ابو طبر علاقة عندما تسمع بها لابد ان تتجه مخيلتك بالاتجاه ألانحرافي.
اذن الانتقام تولد لدى ابو طبر من الضابط ماهر راشد لأنه كان سببا في خسارة معشوقه ضياء لينفتح باب الاجرام على مصراعيه امام ابو طبر منطلقا لافتضاض بكارة الموت وكما يدعي ان الموت هو نوم ابدي يحاول به انقاذ الضحايا وتخليصهم من مستقبل مجهول .
كما اظهر لنا الكاتب التناقض الشديد في بعض المفاهيم لدى ابو طبر فهو من جهة يصف امرأته “العوبة والجهرة السيئة” ويعتبر نفسه متكرما عليها بالزواج منها وكذلك تعنيفها وضربها لأتفه الأسباب ومن جهة اخرى يناقش عميد زاهر حول بعض الفرضيات التي لا يحترمها ومن ضمنها رؤية المجتمع للمراة بالقول حينما يريد احدهم ان يذكرها فيقول تكرم اي انه من انصار المراة لا اعرف هل هذا التناقض هو من ضمن شخصيته ام من وضع الكاتب لا اعلم .
فلسفة ابوطبر حول الموت والمراة والفقر والمال والسادية والسلطة والجمال والرفاهية والخمر والعرق وانواع الاكلات... لا اعتقد ان هذه فلسفة ابو طبر الذي تم التحقيق معه هذا اذا كان هناك بشر اسمه ابو طبر يتكلم بهذا المنطق وهذه البلاغة واللغة الفصحى وهذه التصورات والايديولوجيات والمنحنيات الحادة والعقائد المتنوعة فهنا كان التدخل للسان حال الكاتب وما هي الا ارهاصات ودمامل وتقيحات نفسية ارقت الكاتب فاراد التخلص منها على لسان ابو طبر .
في نهاية تقييم ابو طبر ارى الاتي ان هناك شخصيتان متناقضتان في الظاهر والباطن شخصية وهمية مع اسم حقيقي وشخصية حقيقية مع اسم وهمي رغم ان الشخصيتين متواجدتين بتجريدهما عن كل شيء متواجدتين في مجتمعنا رغم غرائبيتهما ولهما من المصاديق الكثير في الماضي والحاضر لكن الحقيقة هي كالاتي ان شخصية ابو طبر غير موجودة البتة وما القتل الا من اعمال رجال متعددين ان كانوا من اعوان السلطة ام لا رغم تشابه طريقة القتل كما انه ليس هناك عملية اعتقال لابي طبر القاتل والذي اعتقل هو شخص اسمه حاتم تتطابق شخصيته وطريقة القاء القبض عليه مع فتاح الشخصية المخترعة من الكاتب والذي ظهر في التلفزيون هو اسم حاتم وشخصية فتاح.
فمخيلة الكاتب حامد المالكي خلط الأوراق واطلق العنان لمخيلته في توليف المتضادات وحبكها في اطار معين لتخرج لنا بهذه الصورة الرائعة والذي قادنا لهذا التصور والتصديق المنطقيين هو الإشارات الكثيرة التي اوردها الكاتب في مجمل احداث المسلسل.
وفي المحصلة اراد الكاتب ان يرسل رسالة مفادها ان مابين دخول المحتل او السقوط او التغيير كما يحلو للبعض تسميتها فمنذ ذلك اليوم الى الان مرت بالعراق فترات تشبه الى حد كبير ازمة ابو طبر وكم ابو طبر تمنطق بحزام ناسف هو من صنع السياسة العمياء في سبيل تحقيق غايات معينة وبالتالي كان هناك جو مشحون يمتاز بإثارة الترقب جعل المشاهد وعلى طيلة ثلاثين يوم متسمرا امام الشاشة ليتابع وبكل نشاط جسدي وعقلي هذه الأسطورة ممتلئا بالدهشة والتساؤل والكثير من الحيرة مع لحظات الم وغصة وبالذات للذين عاصروا فترة ابو طبر.
وأخيرا أرى ان الحقيقة الماثلة امام اعين الجميع هي ان ابو طبر من نسج خيال النظام استخدمه كأداة لإذلال الشعب.
عموما النص محبوك وواثق ومتصاعد دراميا لم يعطي للمشاهد الفرصة لالتقاط انفاسه المتسارعة اي احتواء المشاهد من قمة راسه الى اخمص قدميه.
من ناحية الاخراج كان سامي الجنادي متميزا رغم انه لم يعالج مسالة البيئة بشكل جيد ولا حتى الزمن فلم نشعر اننا في ايام السبعينات او اننا نعيش في احياء الفضل والثورة والاعظمية والميدان والحيدر خانة والكفاح وهذا الامر متحقق في جل الاعمال العراقية التي انتجت خارج اسوار الوطن الا ان هذا لا يمنع من الاشادة بمقدرته اللافتة للنظر في قيادته الممثلين للخروج بهذا الاداء المميز وكذلك علو كعبه في منح اللقطة جمالية من خلال تعاونه مع كادر التصوير الذي يستحق كل كلمات الإعجاب.
فالتصوير كان ممتع للغاية لكن لدي ملاحظة بهذا الخصوص نتيجة لضغط التكاليف ربما كان هناك إصرار على اللقطة القريبة واللقطة القريبة جدا فلم يجيب المشهد او اللقطة عن سؤال “اين” وانما كان الجواب “من” كل ذلك لالغاء التفاصيل الخاصة بالديكور ربما وربما اراد المخرج والمصور بذلك ان يجدوا اساليب متطورة في منح الصورة التلفزيونية جمالية من خلال الغاء التفاصيل المحيطة والتركيز على تعابير الوجوه على اعتبار ان النص متخم بالحوارات والتي هي اساس الحدث فلم يعول المخرج كثيرا لا على الديكور ولا على حركة الممثلين التي بدت ساكنة للغاية .
أثار استغرابي رفيق فوزي المطرود من الحزب وهو يلبس ملابس مدنية عادية في احد المشاهد نراه يتواجد في القهوة مع الرفاق وهو يرتدي السفاري ويتكلم بخصوص الحزب وما تلاها من مشاهد مثل زفة فتاح حيث كان ينادى برفيقي وكذلك ما زال يلبس زي الحزب المتعارف عليه .
الموسيقى التصويرية متميزة لها درجة كبيرة من الحرفية والتي ساعدت في شد المشاهد والتكلم عوضا عن المشهد بطريقة بليغة ليسجل إبداع آخر للموسيقار الرائع كريم هميم.
هناك مؤشرات سيئة جدا وبدرجة امتياز في بعض التفاصيل البسيطة وبالذات في الدماء التي لم تكن مقنعة ان كانت دماء الضحايا او الدماء التي تناثرت على ابو طبر فتارة تجدها بشكل مختلف من مشهد لآخر او تجدها قد اختفت ولم يراعى في ذلك التعاقب الزمني للمشاهد ومن الاخطاء ايضا البقعة الموجودة على وجه زوجة ابو طبر اختلف موقعها عندما ذهبت للتجسس على بيت الضحية الاولى عندما دخلت للمرافق فقد تحولت من اليسار الى اليمين وطريقة وضعها كان غير حرفي كما اثار استغرابي هو ما يسمى بالمصطلح العامي “التفلة” كمية الشعر البسيطة الموجودة تحت الشفة السفلى لم يكن منتشرا كموديل لدى الرجال كما في حالة فتاح وساهر والدكتور مؤنس لا اعلم من المسئول عن ذلك هل هو الماكير ام مساعد المخرج ام غيرهما .
كثير من المشاهد الخارجية التي تظهر النساء المرتديات العباءة يبدو البنطلون من تحت اذيالها واضحا وهذا موديل غير متواجد في ذلك الزمن الغابر هنا يتأكد ما قلناه بخصوص كثرة اللقطات القريبة جدا كان الهدف منها امام العجز في اعطاء الصورة المقنعة بالديكور والملابس والتفاصيل الاخرى استثمروا هذه اللقطات لتلافي هذا الاشكالات الزمانية والمكانية .
مجرد تواجد اعلام كبيرة لها الباع الطويل في إنضاج الدراما العراقية فلابد ان يتحقق نجاح ما للعمل فوجود مهدي الحسيني والفنانة ناهدة الرماح وسليمة خضير وكريم عواد وعبدالمطلب السنيد واسيا كمال كان حسنة الحسنات وأضافوا الشيء الكثير للمسلسل بأدائهم المسترسل الجميل وإتقان وتقمص للدور بشكل مذهل.
اما كاظم القريشي فكان رجل المسلسل بحق فاللقطات القريبة جدا أبرزت الفعل الدرامي من خلال تعابير الوجه التي تكلمت كثيرا واختصرت حوارات عديدة ليظهر بشكل عام الفنان كاظم القريشي بهذا المستوى الضخم والجدارة وهي رسالة للعالم اجمع بان العراق لديه ممثلون مكانهم هوليود وبالخط الاول كما ان لتواجد حسين عجاج بهذا الدور الجميل والجديد عليه والانتقالات المشاعرية المختلفة لم يكن اقل إبهارا وروعة من كاظم القريشي وما لفت الانتباه ايضا اداء الفنان كريم محسن فعندما أشاهد تمثيله اتصور نفسي امام برزان او وطبان او سبعاوي حقيقة مفخرة تستحق الإشادة.
أما الفنان سعد محسن فهو الاخر كان نجمة لامعة في سماء الإبداع كما لا ننسى حسن هادي فقد تألق كثيرا بدوره والذي اعتبره كوميدياً من طراز خاص يستحق الثناء، أما تمارا جمال وسوزان سامي فكانتا شمس وقمر استقطبهما ملك المجموعة الشمسية حامد المالكي وقد اعجبني أدائهما بشكل ملفت.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  (حين وقفت الحرب) كنت ألعب البليارد في محل ماجد النجار في منطقتي القديمة، حي الأمانة، وكنت لاعبا قويا، ولكن مثل الحياة، حتى اللاعب القوي في...