نقلا عن جريدة الاتحاد العراقية
2011-08-24
شاكر المياح:
شاءت الاقدار ان التقي حاتم كاظم الهضم (ابو طبر) مرتين في منتجع الحبانية بدعوة من ابن عمه غازي جواد الهضم بمناسبة عودته من المانيا في مفتتح سبعينيات القرن المنصرم، كان شابا انيقا وعلى قدر من الوسامة والكياسة والتهذيب العالي، بجسد رياضي متناسق. في حديثه سحر، مفوه من غير تكلف. غني بالثقافة والمعرفة، تبرق عيناه بالنباهة والذكاء. مفعم بالحيوية والنشاط، وحينما يبدأ بالتحدث الى مجالسيه يكون لزاما عليهم ان ينصتوا اليه باصغاء تام، يتكلم بالسياسة وكأنه سياسي حاذق، وفي الثقافة بمعرفية عالية، وفي التاريخ حتى ليكاد يقنعك بوقائعه المختلفة، وعن الدول التي زارها فيغريك ويشجعك على زيارتها.
في اللقاء الاول حدثنا عن التحاقه بكلية الشرطة وكيف تم فصله منها ولم يتطرق الى حادثة وردت ضمن سيناريو مسلسل (ابو طبر)، بل ان الطرد كان بموجب قرار اجرائي، وعن التحاقه بكلية القوة الجوية وكيف فصل منها وهو قاب قوسين او ادنى من التخرج منها على اثر طلعة طيران مقررة في منهج تدريبه، وكيف كان يحوم بطائرته ذات المحرك المروحي حول المنطقة التي تسكن فيها حبيبته، اذ اراد ان يظهر لها براعته في الطيران، فقام بعمل انشوطة (لوب) في منتهى الخطورة، ولما كان ارتفاع طائرته لا يتيح له تنفيذ تلك اللعبة اصطدمت الطائرة باحد الاكواخ وتحطمت مقدمتها ونجا من تلك الحادثة باعجوبة، وبعد اجراء التحقيق تقرر فصله من الكلية لانه كان يطير في غير الموقع المخصص له (الزون)، كما حدثنا عن عائلته التي كان لها شرف سدنة مرقد الامام (ابو الجاسم) القريب من قضاء المسيب.
في اللقاء الثاني اهدى ابن عمه غازي جواد الهضم جهاز تسجيل صغير بشريط سلكي بدا لي بانه خاص برجال المخابرات، وحدثنا عن ملاحقته لنجمة الاغراء الفرنسية (بريجيت باردو وعشيقها الالماني يومذاك المدعو ساخس) وكيف استدل على فيلتها وعن عملية دخوله اليها بعد تسميم كلبيها وجد الفيلا خالية منهما، وكيف كان يطارد احد العراقيين المدان له بمبلغ 20 الف دولار في داخل ايران، ولما يأس من العثور عليه عاد ادراجه الى المانيا.
الذي دفعني لان اسوق هذه المقدمة المطولة هو ما اشاهده الان وانا اتابع مسلسل (ابو طبر) الذي يبث من على شاشة قناة البغدادية، والذي تظهر فيه مشاهد لا صلة لها بحاتم كاظم الهضم الذي تظهره تلك المشاهد مجرما ضالعا في الاجرام حد النخاع، يقتل ضحاياه ببرودة دم، وسارقا بارعا في فنون السرقة والسطو المسلح، وانه يعيش في فقر مدقع لا يتحصل في حياته اليومية على رغيف خبز او رأس بصل، فكيف حصل هذا وهو الذي كان يجوب اوروبا من اقصاها الى اقصاها، ويقتني احدث سيارات المرسيدس وجاءنا الى الحبانية بواحدة منها؟
تحدر حاتم كاظم الهضم من عائلة تتمتع بثراء ممتاز لا سيما انها كانت تقوم بسدنة مرقد ديني مهم في قضاء المسيب، وكان يعيش في بغداد بيسر ويعرفه الكثير من ابناء منطقة البياع يومذاك، فيما اكدت تقارير رجال الامن والمخابرات على ان الجرائم التي كان ينفذها لم تكن دوافعها السرقة او الجنس وهذا ما كان يزيد في حيرتهم عندما كانوا يبحثون عنه ويلاحقون مسلسل جرائمه وكان على مخرج المسلسل الاطلاع على سجلات مديرية الامن العامة المنحلة والمخابرات العامة.
لقد كان (ابو طبر) مقربا من اركان النظام في تلك الحقبة وخاصة نائب رئيس الجمهورية وسعدون شاكر في البدايات الاولى لتشكيل الجبهة التقدمية الوطنية وعملية تأميم النفط، وللمفارقة ان حاتم كاظم الهضم كان يرافق عناصر من حزب البعث في الحراسة والبحث عن (ابو طبر) لانهم يثقون به ويعرفون مدى قربه من بعض اركان النظام انذاك.
لم يكن حاتم كاظم الهضم مجرما حقيقيا يتلذذ بمنظر دماء ضحاياه، ولو كان كذلك لترك بعض الآثار في ساحات جرائمه، حتى ولا بصمات اصابع، وهذا ما اعلنه الكثير من ضباط التحقيق ورجال الامن وخبراء الجريمة.
ابوطبر كان ينفذ اوامر السلطة لاشاعة الرعب في مدن العراق لمدة عام وخاصة العاصمة منها، لاشغال الناس وصرف انظارهم عن وقائع سياسية تآمرية كانت تحاك ضد القوى الوطنية وما يجري في كردستان في سبعينيات القرن المنصرم، كنت اتمنى ان يكون المسلسل دقيقا في معالجة مثل هكذا احداث توخيا للحقيقة التاريخية وكشف اسرارها للمشاهد العراقي.
وكنتيجة متوقعة تم تصفيته هو وشقيقه وابن شقيقته وزوجته قانونيا على وفق قاعدة "كص رأس وضيّع خبر".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق